قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جرافة عسكرية "إسرائيلية" تعمّدت دعس طفل جريح وفصل جسده إلى جزأين وهو على قيد الحياة، بعد إطلاق النار عليه ومنع إسعافه، في قطاع غزة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق سكان القطاع.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثّق إصابة الطفل "زاهر ناصر شامية" (16 عامًا) من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة برصاص قوات الاحتلال في المخيم ظهر أمس الأربعاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2025، إذ ظل ينزف بفعل الإصابة دون أن يتمكّن أحد من الوصول إليه بسبب استمرار إطلاق النار في المنطقة، وبعد دقائق تقدّمت جرافة عسكرية إلى المكان، وتعمّدت دعسه وهو ما يزال حيًا وممدّدًا على الأرض، ما أدّى إلى شطر جسده إلى نصفين وتحويله إلى أشلاء.
وفي إفادته لفريق الأورومتوسطي، أوضح خال الطفل أن ابن شقيقته "شامية" كان متواجدًا قرب نادي "خدمات جباليا" الذي يبعد نحو خمسين مترًا عن الخط الأصفر، عندما وصلت آليات جيش الاحتلال حوالي الساعة التاسعة صباحًا إلى محيط المكعبات الصفراء وسط إطلاق نار كثيف، مضيفًا أنّ "شامية" بقي في مخيم جباليا، ثم حضر إليه أحد أصدقائه وأبلغه بأنّ الجيش انسحب من الخط الأصفر، فتوجّه "شامية" مع مجموعة من أصدقائه نحو منطقة المكعبات الصفراء، وكان يسير في شارع "الهدد" حتى وصل إلى منتصف الشارع، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار نحوه –على الأرجح من طائرة مسيّرة من نوع "كواد كابتر"– فأصيب بطلق ناري في محيط الرأس وفقًا لشهادات العيان، بينما شوهد وهو ما يزال يحرك رأسه بعد الإصابة قبل أن يلوذ أصدقاؤه بالفرار ويُترك ملقى على الأرض.
وأضاف خال الطفل أنّ قوات الاحتلال أطلقت قنابل دخانية وتقدّمت إلى موقع وجود "شامية"، وترجّل الجنود في المكان، ثم وصلت جرافات عسكرية وبدأت بإقامة ساتر ترابي قصير أمام المكعبات الصفراء، وخلال ذلك تعمّدت إحدى الجرافات دعس جسد زاهر وهو ملقى على الأرض إلى أن حوّلته إلى أشلاء، قبل أن يتمكّن أصدقاؤه لاحقًا من جمع الأشلاء ونقلها إلى مستشفى الشفاء.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ تكرار لجوء جيش الاحتلال إلى دعس الفلسطينيين وهم أحياء أو جرحى تحت جنازير الدبابات والجرافات لا يمثّل حوادث فردية، بل أحد أقسى أنماط الاستشهاد المتعمّد التي ارتكبت بحقّهم خلال العامين الماضيين في إطار سياسة منظّمة لنزع إنسانيتهم وترهيبهم جسديًا ونفسيًا، وهي سياسة تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحقّ السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ من بين الجرائم التي سبق أن وثّقها استشهاد الفلسطيني "جمال حمدي حسن عاشور" (62 عامًا) دهسًا بشكل متعمّد في حي الزيتون بمدينة غزة يوم 29 شباط/فبراير 2024، إذ جمعت إفادات أكّدت أنّ قوات الاحتلال اعتقلت الضحية وقيّدت يديه بأربطة بلاستيكية وأخضعته للتحقيق قبل أن تدهسه بمركبة مدرعة، على نحو بدأ من النصف السفلي ثم امتد إلى النصف العلوي من جسده.
كما وثّق المرصد جريمة مركّبة ارتكبتها قوات الاحتلال في 27 يونيو/حزيران 2024 ضد أسرة مكوّنة من أم مسنّة وأربعة من أبنائها، بينهم ثلاث فتيات وحفيدة لا تتجاوز عامًا ونصف، في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، إذ اقتحمت القوات المنزل وأطلقت الرصاص والقنابل مباشرة داخله، وأجبرت الأسرة على الخروج. وبعد إخراجهم، احتجز الجيش أفراد الأسرة وهم مصابون داخل الدبابات وحولها لأكثر من ثلاث ساعات في منطقة قتال خطيرة، واستخدمهم دروعًا بشرية، قبل أن تُقدِم دبابة على دعس الأم "صفية حسن موسى الجمال" (65 عامًا)، وهي على قيد الحياة وعلى مرأى من ابنها، ما أدى إلى استشهادها بطريقة بالغة القسوة.
ووثّق المرصد في 23 كانون الثاني/يناير 2024 دهس دبابة تابعة لـ"إسرائيل" كرفان إيواء مؤقّت في منطقة "أبراج طيبة" بخانيونس، بينما كان أفراد من عائلة "غنّام" نائمين داخله، ما أدّى إلى استشهاد ربّ الأسرة وابنته الكبرى، وإصابة الأطفال الثلاثة وزوجته بجروح متفاوتة.
وفي 16 كانون الأول/ديسمبر 2023، وثّق المرصد دهس الدبابات والجرافات التابعة لـ"إسرائيل" نازحين داخل خيامهم في ساحة مستشفى "كمال عدوان" ببيت لاهيا، ما أسفر عن استشهاد عدد منهم، بينهم مصابون كانوا يتلقّون العلاج، إضافة إلى سحق قبور وجثامين مدفونة في أطراف الساحة.
وأكّد المرصد أنّ هذه الانتهاكات ليست حوادث معزولة، بل جزء من سياسة متعمدة لنزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة وتطبيع تعريضهم لأقصى درجات العنف، إذ تشكّل عمليات الاستشهاد دعسًا تحت جنازير الدبابات والجرافات أحد أبشع الأساليب التي يستخدمها جيش الاحتلال، بما يعكس سعيًا واضحًا لتدمير الفلسطينيين بوصفهم جماعة قومية في غزة، في ظل التحريض العلني على إبادتهم والحصانة الفعلية التي يتمتع بها مرتكبو هذه الجرائم.
وذكر المرصد أن "إسرائيل" تواصل –رغم اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025– استهداف المدنيين الفلسطينيين بصورة متكرّرة عبر القصف الجوي والمدفعي وإطلاق النار المباشر، ما أسفر حتى الآن عن استشهاد 389 مدنيًا وإصابة نحو ألف آخرين، في نمط يشكّل أحد أوجه الإبادة الجماعية المستمرة في القطاع؛ إذ يقترن هذا الاستهداف المتواصل بإبقاء مئات الآلاف من النازحين في ظروف معيشية مهلكة من خلال خنق دخول المساعدات الأساسية وتعطيل إعادة الإعمار وترك السكان في العراء وسط البرد وتفشي الأمراض وتدهور الخدمات الصحية.