قائمة الموقع

"التقاعد المبكر".. شهادة وفاة في "عز الشباب"

2017-11-18T08:12:31+02:00

لم يكن يتخيل الموظف العسكري المنتسب للسلطة الفلسطينية "ي. ع" أن يحال إلى التقاعد المبكر، بعد أن استبشر خيراً بعد التوقيع على اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح في 12 أكتوبر الماضي، بالعودة إلى ممارسة عمله من جديد بعد نحو 10 أعوام من الاستنكاف عن العمل بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

ولكن أبعد ما كان يتصور هذا الموظف أن يدرج اسمه في 1 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري في سجلات المتقاعدين من قبل السلطة، ويقول واصفاً صعوبة حالته النفسية لـ"فلسطين": "أعطوني شهادة وفاة دمرت حياتي".

بنبرة صوت اختلط بها الحزن بالمرارة أضاف: "حصلت على أكثر من عشر دورات تدريبية على مدار خدمتي العسكرية، حينما التحقت في صفوف السلطة عام 1999".

وكان من المفترض أن يحصل "ي. ع" في اليوم الذي صدر فيه أمر تقاعده على ترقية عسكرية من مساعد إلى مساعد أول، إلا أن راتبه تدنى من 2700 شيكل إلى 1700 شيكل، يدفع منها ألف شيكل كقروض مستحقة للبنوك.

ويعلق الموظف العسكري على ذلك بتهكم: "أصبحت اليوم متسولا ومديونا لمتاجر اللحوم وبيع المواد الغذائية، بسبب هذه القرارات المفاجئة"، معتبرا ذلك "إجراء تعسفياً".

ويبدو أن حال الموظف "س. م" (35 عاماً) وهو أب لأربعة أبناء أكثر صعوبة، حيث كاد اتصال هاتفي جاءه من أحد أصدقائه يبلغه أن اسمه مدرجا بسجلات المتقاعدين، أن يصيبه بـ"جلطة" تودي بحياته بالفعل، فهو يعيش في بيت للإيجار ويتقاضى راتبا يبلغ 1800 شيكل بعد خصم نسبة 30% من راتبه من قبل السلطة، يدفع منها 500 شيكل بدل إيجار، و500 أخرى تخصم من مالية السلطة لصالح شركة توزيع الكهرباء.

لم تشفع له الدموع التي سالت من وجنته لحظة سماع خبر تقاعده من إعادته لعمله، كما يحدث صحيفة "فلسطين" فهو الآخر كان مدربا عسكريا حاصلا على نحو 15 دورة طيلة خدمته العسكرية، ولطالما أوفد من غزة لإعطاء دورات عسكرية لأفراد أمن السلطة بأريحا ورام الله، نظرا لكفاءاته وخبرته. كما يقول.

وقامت السلطة مؤخرا بإحالة 13500 موظف من القطاع العسكري إلى التقاعد المبكر، وأكثر من 6 آلاف موظف من قطاعي الصحة والتعليم.

نوايا سلبية

الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب يرى أن استمرار الإجراءات العقابية يشير إلى أنه لا يوجد نية لدى السلطة للتراجع عن تلك الإجراءات التي كانت السلطة تشترط حل حماس للجنة الإدارية بغزة للتراجع عنها، علما أن حماس حلت اللجنة في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وقال حبيب لصحيفة "فلسطين": "إنه كان من المفترض أن يفي عباس بتعهداته، ومنها التراجع عن تقاعد الموظفين العسكريين والمدنيين، وهو ما يشير إلى نوايا ليست كافية بشأن المصالحة أو الوفاء بتلك الالتزامات".

واعتبر أن تغييب الكادر البشري يعد شكلا من أشكال الإملاء وفرض التقاعد الجبري على الموظفين الذين يتم انتقاؤهم وفق المزاج السياسي للسلطة، أو لاعتبارات وانتماءات سياسية، مبديا رفضه لتغييب العناصر الشابة التي يجب القيام بإعادة تأهيلها وتدريبهم، وليس التخلي عن خبراتهم.

غير قانوني

من جانبه، بين الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عزام شعت أن هناك قانونا ينظم عمل المؤسسات الحكومية منذ نشأة السلطة، وهو قانون الخدمة المدنية، وقانون "العاملين بالأجهزة الأمنية" واللذان حددا سن التقاعد بعمر 60 عاما.

وقال شعت لصحيفة "فلسطين": "عندما تلجأ السلطة لتقاعد موظفيها قبل وصولهم للسن القانوني للتقاعد، فإنها تضيف أعباء جديدة على كاهل الموظفين، في ظل غياب فرص العمل في القطاع"، مضيفا: "ينبغي على السلطة ان تفتح المجال أمام التوظيف والتطلع لاحتياجات قطاع غزة وفتح آفاق جديدة لتشغيل عمال من قطاعات مختلفة.

بعد اقتصادي خطير

من ناحيته، ينتقد الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، إجراءات السلطة بعملية تقاعد الموظفين، معتبرا التقاعد المبكر بأنه يأتي ضمن سياسة غير مدروسة لاحتياجات الوزارات الحكومية من الكادر البشري.

وقال الطباع لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة تقوم بتغييب كادر بشري، بالأصل اكتسب خبرات مختلفة من خلال سنوات عملهم".

ورأى أن السلطة تحاول تقليص الأعباء المالية في موازنتها من خلال هذه الإجراءات، مشيرا إلى أن نسبة رواتب الموظفين تبلغ 50% أي ( 2 مليار و200 مليون دولار سنويا)، من إجمالي الموازنة السنوية العامة للسلطة والبالغة 4.5 مليار دولار.

وحول انعكاسات القرار على الواقع الاقتصادي في غزة، بين الطباع أن لها انعكاسات تضعف القدرة الشرائية لآلاف المتقاعدين، الذين لا يستطيعون تغطية تكاليف احتياجات اسرهم، وبالتالي تنعكس على مجمل الوضع الاقتصادي والتجاري العام في غزة، محذرا من أن مؤشرات خصم الرواتب والتقاعد المبكر تؤدي إلى ارتفاع مخيف في معدلات البطالة.

اخبار ذات صلة