قائمة الموقع

الهيئات المقترحة لإدارة القطاع.. هل تقود غزة لبر الأمان؟

2025-12-07T15:19:00+02:00
علم فلسطيني يرفرف وسط أنقاض المباني في بيت لاهيا شمال قطاع غزة
فلسطين أون لاين

بعد عامين من العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، الذي خلّف دماراً واسعاً في البنية التحتية ومأساة إنسانية غير مسبوقة، تتكثف النقاشات بشأن شكل الإدارة المقبلة للقطاع، مع طرح عدة مبادرات دولية، أبرزها ما يُعرف بـ"مجلس السلام" الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إنشائه بإشراف مباشر من إدارة دونالد ترامب.

لكن هذه الطروحات تُثير جدلاً واسعاً بشأن طبيعتها وحدود صلاحياتها ومدى قبولها فلسطينياً، في وقت يرى مراقبون أنّها تحمل في جوهرها صيغة "وصاية دولية" على غزة أكثر مما تعبّر عن تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ واشنطن، عبر ما يسمى "مجلس السلام"، تروّج لفكرة تشكيل هيئة متعددة الأطراف، تضم ممثلين عن دول عربية ودولية، تتولى الإشراف المؤقت على إدارة قطاع غزة بعد انتهاء العدوان وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ويُفترض، وفق التصور الأميركي، أن تعمل هذه الهيئة على إعادة الإعمار وضمان الأمن ومنع عودة المقاومة المسلحة، بالتوازي مع وجود قوات دولية على الأرض. لكنّ هذا المشروع لم يتبلور بعد، وسط تردّد في الموقف الأميركي وتباين بين الأطراف المعنية بشأن طبيعة الدور الإسرائيلي ومستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية.

المحلل السياسي سامر عنبتاوي يرى أنّ "الولايات المتحدة تريد فرض مجلس سلام برئاسة ترامب، مع تدخل إسرائيلي كبير في صياغة المشهد داخل غزة"، مشدداً على أنّ "هذا الطرح يعني عملياً الانتداب والوصاية على القطاع، وكأنّ الفلسطينيين عاجزون عن إدارة شؤونهم بأنفسهم".

ويقول عنبتاوي لصحيفة "فلسطين": "غزة قادرة على إدارة نفسها، والمشكلة ليست داخل القطاع بل في استمرار العدوان الإسرائيلي، لذلك المطلوب إدارة فلسطينية متوافق عليها، سواء تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية، بمرجعيات وطنية واضحة".

ضبابية المشهد

الوضع في غزة لا يزال ضبابياً إلى حد كبير، بحسب د. أحمد فارس عودة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الذي يؤكد أنّ "الولايات المتحدة نزعت هذا الملف من مجلس الأمن لتنفرد بإدارته، لكنها لم تقم حتى الآن بدور فعلي بصفتها الراعية للاتفاق". ويشير إلى أنّ (إسرائيل) مستمرة في تنفيذ مخططاتها على الأرض رغم الحديث عن وقف إطلاق النار.

ويوضح عودة لـ "فلسطين"، أن إعلان الاحتلال فتح معبر رفح باتجاه واحد يعني عملياً استمرار الأجندة الإسرائيلية الرامية لتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين في قطاع غزة وإفراغ القطاع تدريجياً.

ويحذر عودة من أنّ "إطالة أمد الضبابية تمنح (إسرائيل) وقتاً إضافياً لترسيخ سيطرتها الأمنية والسياسية على غزة، ما سيقوّض أي فرصة لنجاح الهيئات المقترحة".

ويلفت إلى أنّ الدول الثمانية التي شاركت في اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ بمصر، ومن ضمنها قطر ومصر، أعربت عن قلقها الشديد من استمرار القصف والتهجير، ودعت واشنطن إلى التدخل لضمان تطبيق الاتفاق.

هيئة فلسطينية بمرجعية وطنية

في المقابل، عُقدت في القاهرة أخيراً اجتماعات لعدد من الفصائل الفلسطينية باستثناء حركة فتح لمناقشة تشكيل هيئة إدارية مؤقتة تتولى إدارة شؤون القطاع إلى حين عودة السلطة، بمشاركة شخصيات وطنية مستقلة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.

ووفق ما نقلت وسائل إعلامية، فإنّ الهيئة المقترحة ستكون من تكنوقراط فلسطينيين، تعمل بإشراف مجلس السلام العالمي، على أن تكون مهمتها مؤقتة ومحصورة في الملفات المدنية والإدارية دون التطرق إلى الملف الأمني.

ويؤكد عودة أنّ الهيئة التي ستدير قطاع غزة ستتشكل من الداخل، وليست مفروضة من الخارج، وستمهد الطريق لعودة السلطة عبر قوات الشرطة الوطنية التي يُقدر عدد عناصرها بنحو 40 ألف شرطي جاهزين في مصر والأردن.

ويشير إلى أنّ المباحثات بين القطريين والمصريين تتناول أيضاً مسألة تسليم السلاح من حركة حماس، وهي النقطة الأكثر تعقيداً في مسار الترتيبات الجديدة.

بين الوصاية والتمكين

ويُجمع الخبراء على أنّ فرض أي إدارة دولية أو إقليمية على غزة دون توافق فلسطيني شامل سيقود إلى فشل ذريع وربما إلى صدامات داخلية.

وفي هذا الإطار، يقول عنبتاوي إنّ "أي وصاية أو انتداب دولي على القطاع مرفوض تماماً، فالشعب الفلسطيني لم يقبل الوصاية في أي مرحلة من تاريخه، ولن يقبل اليوم أن يُعامل كيتيم يحتاج إلى أوصياء".

ويضيف أنّ "النجاح الوحيد الممكن لأي هيئة هو أن تكون فلسطينية خالصة، تحظى بالدعم العربي والإسلامي والدولي، وتتمتع بصلاحيات كاملة لإعادة الإعمار والحياة الطبيعية، بعيداً عن التدخلات الإسرائيلية".

ويُتوقع أن تواجه أي هيئة لإدارة غزة عقبات كبرى، أبرزها استمرار السيطرة الإسرائيلية على أكثر من نصف مساحة القطاع، ورفض الاحتلال الانسحاب الكامل أو السماح ببيئة عمل مستقرة. كما أنّ تعقيدات الملف الأمني وتضارب المصالح بين الفصائل الفلسطينية، إلى جانب البطء في عملية إعادة الإعمار، تمثل تحديات حقيقية لأي إدارة قادمة.

في المحصلة، يتفق المحللان عنبتاوي وعودة على أنّ نجاح أي هيئة أو مجلس في إدارة غزة مرهون بثلاثة شروط أساسية: وقف العدوان الإسرائيلي الكامل، وانسحاب الاحتلال من القطاع، وتشكيل إدارة فلسطينية توافقية ذات صلاحيات حقيقية. أما في حال استمرار الاحتلال في فرض إرادته الأمنية والسياسية، فإنّ "كل الهيئات الدولية أو الإقليمية ستكون مجرد واجهات شكلية لن يُكتب لها النجاح".

اخبار ذات صلة