حذرت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" تيس إنغرام من كارثة إنسانية متصاعدة تهدد حياة آلاف الأطفال في قطاع غزة، مؤكدة أن العامين الماضيين خلَّفا “آثارا مدمرة وغير مسبوقة” على صحة الأطفال وأمنهم النفسي، بسبب انهيار المنظومة الصحية وعجز المستشفيات عن تقديم الرعاية اللازمة.
وقالت تيس في تصريحات صحفية، أمس الجمعة، إن أعداد الأطفال الذين قُتلوا أو أصيبوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية “تفوق الوصف”، مشيرة إلى أن “عشرات الأطفال كانوا يُقتلون يوميا على مدار العامين الماضيين”، وإلى وجود آلاف الأطفال الذين تعرَّضوا لإصابات ستغيّر حياتهم إلى الأبد، بينهم مئات خضعوا لبتر أطراف أو عمليات جراحية خطرة.
وأضافت أنها التقت هذا الأسبوع أطفالًا فقدوا أطرافهم نتيجة القصف، ويعانون صدمة نفسية وآلاما حادّة، موضحة أن هؤلاء يحتاجون إلى رعاية نفسية وطبية تمتد لأشهر وربما لسنوات، في وقت تعمل فيه نصف مستشفيات القطاع فقط جزئيا.
وأشارت تيس إنغرام إلى أن اليونيسف “تقدّر وجود 4 آلاف طفل بحاجة ماسّة إلى إجلاء طبي خارج قطاع غزة للحصول على علاج منقذ للحياة”، مؤكدة أن وتيرة الإجلاء خلال العامين الماضيين كانت “بطيئة جدا”، وأن ما جرى خلال فترة وقف إطلاق النار لا يزال غير كاف.
واستشهدت بحالة الطفلة “أميما” البالغة عامين ونصف، التي تعاني تشوها خلقيا في القلب، وتحتاج إلى جراحة متاحة في دول عدة لكنها غير ممكنة داخل غزة بسبب انهيار النظام الصحي، محذرة من أنها “ستموت إن لم تُنقل للعلاج فورا”، وأن آلاف الأطفال يواجهون المصير ذاته.
وشددت المتحدثة باسم اليونيسف على أن المنظمة لا تزال تناشد السلطات "الإسرائيلية" فتح جميع المعابر لإدخال كميات كافية من المساعدات والمستلزمات الطبية الضرورية لمستشفيات القطاع، والسماح بإخراج الأطفال الذين يحتاجون إلى علاج عاجل في الخارج.
وقالت “رغم حدوث تحسُّن طفيف خلال وقف إطلاق النار، فإن الوضع لم يشهد التغيير الضروري لإنقاذ الأرواح، مع انتشار الأمراض، وتفاقم سوء التغذية، وتعرُّض العائلات للبرد القارس دون توفر خيام أو أغطية كافية”.
وأوضحت تيس إنغرام أن “أطفالا ماتوا بالفعل وهم ينتظرون الإجلاء الطبي”، واصفة ذلك بأنه “كارثة وانتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”، الذي ينص على حق الأطفال في الحصول على الرعاية الطبية أينما توفرت.
وأكدت أن مستشفيات عدة في العالم أعلنت استعدادها لاستقبال الأطفال، لكن “غياب الإرادة السياسية” يمنع خروجهم.
وشددت المتحدثة باسم اليونيسف على أن القانون الدولي يفرض حماية الأطفال والسماح بدخول المساعدات بكميات كافية، مؤكدة أن فرق المنظمة تعمل بأقصى قدرة رغم محدودية المستلزمات.
وأضافت أن نصف سكان غزة هم من الأطفال، وأن آثار الحرب تضرب المجتمع بأكمله، إذ تتسبب ندرة المياه النظيفة في انتشار الأمراض، ويواجه أكثر من 9 آلاف طفل سوء تغذية حادّا، في حين يعجز الأهالي عن تأمين أبسط احتياجات أطفالهم أو إعادتهم إلى المدارس.
وقالت إن المنظمة تعمل على إنشاء مزيد من مراكز التعلم للتخفيف من الانقطاع التعليمي، مشيرة إلى الطلب الهائل على التعليم داخل القطاع.
وأكدت تيس إنغرام أن الانتهاكات التي تعرَّض لها أطفال غزة “تركت ندوبا ستلازمهم طوال حياتهم”، سواء من خلال الصدمات النفسية أو التقزم الناتج عن سوء التغذية أو الإعاقات الدائمة بسبب الإصابات.
وأضافت أن أكثر من 70 طفلا قُتلوا خلال أسبوع من وقف إطلاق النار، معتبرة ذلك “غير مقبول”، داعية إلى تثبيت وقف إطلاق النار فعليا، وتمكين المنظمات الدولية من إعادة بناء منظومتي الصحة والتعليم فورا.
وأشارت إلى وجود آلاف من الأطفال الذين فقدوا ذويهم بشكل كامل، وقالت إنها التقت أطفالا فقدوا كل أفراد أسرهم ويعيشون دون معيل، مؤكدة أن اليونيسف تعتمد على “الرعاية عبر الأقرباء” حلّا أساسيا، إذ تتولى العائلة الممتدة -الأجداد أو الأعمام أو الأخوال- احتضان الأطفال.
وروت مثالا عن امرأة في غزة ترعى أبناء شقيقاتها وبناتهن إلى جانب أطفالها، مؤكدة أن هذا النموذج شائع، لكنه يزيد العبء على الأسر بسبب انهيار الظروف المعيشية.
وشددت تيس إنغرام على ضرورة أن يبقى العالم مُركّزا على احتياجات أطفال غزة، مطالبة المجتمع الدولي بضمان التزام جميع الأطراف بشروط وقف إطلاق النار.