مع تصاعد التقارير والتحليلات التي تكشف عن وجود خطة أمريكية إسرائيلية بشأن قطاع غزة وتقسيمه، وترك مساحات واسعة منه بلا إعادة إعمار أو إخضاعها لقيود أمنية مشددة، تزداد أهمية الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي لمواجهة هذا المخطط والعمل على إفشاله.
وبدأ أول ملامح تنفيذ الخطة وفق المعطيات المتداولة، عبر ما يُسمّى "مركز التنسيق المدني العسكري" بقيادة الولايات المتحدة، من خلال إنشاء مناطق تخضع لسيطرة قوة عسكرية دولية، وإعادة إعمار مناطق مختارة فقط، وفق اعتبارات أمنية وسياسية محددة.
وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن تفاصيل وُصفت بالخطيرة بشأن الخطة الأمريكية الإسرائيلية، التي تشارك فيها دول غربية وعربية ومؤسسات دولية، وتتضمن إجراءات تهدف إلى تحويل غزة إلى "غيتو قسري" قائم على الحبس الجماعي، وضمّ الأراضي، ونهب الموارد.
وبحسب ما نشره المرصد، تشمل الخطة إنشاء "مدن" من الحاويات (كرفانات سكنية) في ما تسمّى "المنطقة الخضراء"، تستوعب كل مدينة نحو 25 ألف مواطن ضمن مساحة لا تتجاوز كيلومترًا مربعًا واحدًا، بذريعة التجهيز لإعادة إعمار المدن لاحقًا في ما يُعرف بـ"المنطقة الحمراء".
ويمثّل تصميم هذه "المدن" نموذجًا يعيد إلى الأذهان تجربة "الغيتوهات" في التاريخ، حين كانت الأنظمة الاستعمارية والعنصرية تحشر مجموعات سكانية داخل أحياء مغلقة، وتمنع سكانها من المغادرة لفترات طويلة.
ووفق المعطيات، تُقام داخل هذه المناطق أنظمة رقابة وإدارة عسكرية مشددة، وتُفرض بيئة قسرية تقوم على تقييد الحركة، والتحكّم في المساعدات، والخدمات الأساسية.
وتفرض الخطة المتداولة بشأن تقسيم قطاع غزة ترتيبات قد تؤدي فعليًا إلى تهجير السكان الفلسطينيين من أماكن إقامتهم الأصلية، وربط الإعمار بشروط سياسية وأمنية تكرّس واقعًا جديدًا مفروضًا بالقوة.
وتشير المعلومات إلى أن وحدات هندسية معنية بالملف شرعت بالفعل في إعداد التصاميم الأولية لأول "مدينة" تجريبية في رفح، في انتظار توفير التمويل اللازم للبدء بتنفيذها على أرض الواقع.
بدوره، أكد الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي أن الطرح المتداول حول ما يُسمّى "غزة الجديدة" في مقابل "غزة الحمساوية" يأتي كخطة بديلة عن "خطة ترامب 2020"، موضحًا أن عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة يستدعي البحث عن بدائل تتماشى مع الرؤية الإسرائيلية الرامية إلى الإبقاء على الاحتلال في الجزء الأكبر من قطاع غزة حتى تحقيق هدف نزع سلاح حركة حماس، ومن ثم "نزع التطرف من الثقافة الغزية"، وفق تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وقال ياغي لـ "فلسطين أون لاين" إن "الحديث بدأ عن إقامة ما يُسمّى بالمناطق الإنسانية الخضراء، والتي يُشترط أن يكون سكانها من غير الداعمين لحركة حماس".
وأضاف أن وسائل الإعلام العبرية تناولت هذه الخطة بما يعكس عدم الرغبة الإسرائيلية في الانتقال إلى المرحلة الثانية، مشيرًا إلى أن التوجّه الجديد يتعامل مع غزة وفق ما يُعرف بـ"النموذج اللبناني"، بما يضمن استمرار بقاء نتنياهو سياسيًا عبر المحافظة على تماسك الائتلاف اليميني المتطرف حتى موعد الانتخابات المقبلة، ما لم يطرأ تطوّر على ملف العفو عنه.
وأشار إلى أن هذا التوجّه يهدف في الوقت ذاته إلى إشغال العالم والإقليم بقطاع غزة، بينما يجري العمل على فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وفرض السيادة عليها.
وأكد ياغي أن هذه الخطة لن تنجح، معتبرًا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ماضٍ في السعي لتطبيق رؤيته المسماة "خطة ترامب 2020"، والتي تشكّل مدخلًا لطرح تسوية سياسية أشمل في المنطقة.
وأضاف أن دول الخليج لن تستثمر في هذا المخطط، وأن الشعب الفلسطيني في غزة لن يقبل به، لأنه يقوم على تصنيف الناس على أساس تأييد أو معارضة حركة حماس، في حين يقوم المجتمع الغزي على بنية عائلية موحّدة رغم اختلاف التوجّهات السياسية، ويتميّز بإجماع واسع على الصمود والوحدة الداخلية.
ولفت إلى أن فرص نجاح مثل هذه الخطط تكاد تساوي الصفر، مشيرًا إلى أن تطبيق المرحلة الثانية من "خطة ترامب" يُعد الخيار الواقعي الممكن، كونها باتت – بحسب قوله – مدعومة إقليميًا وتحظى بغطاء دولي.
وأوضح أن المطلوب فلسطينيًا هو بلورة رؤية وطنية موحّدة تجمع بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لصياغة خطة مواجهة مشتركة تتناغم مع الرؤية العربية والأوروبية في التصدي للتفاهمات الأمريكية الإسرائيلية.