قائمة الموقع

كيف يردم جيش العدو الفجوة بين أزمة القدرات التشغيلية البشرية والمادية؟

2025-12-05T09:37:00+02:00
فلسطين أون لاين

كثيرة هي المقالات والتحليلات التي تتحدث عن جيش الكيان المؤقت؛ من حيث القدرات البشرية أو المادية، وما هو مطلوب منه من مهام على مختلف الجبهات، وأن لديه نقاط ضعف كثيرة، كما أنه يتمتع بنقاط قوة معتبرة، فضلاً عن الجغرافيا المحلية المطلوب منه (الدفاع) عنها، وما فيها من مكامن ضرر لا يمكن سترها، أو التغلب عليها. ومع كل ما قيل ويقال عن هذه الجيش؛ إلّا أنه خاض في السنتين الأخيرتين معارك على على جبهات مختلفة، وفي ساحات متعددة، حقق فيها إنجازات لا يستهان بها، وأهدافاً يعتد بها على صعيد تأمين الكيان المؤقت من أعدائه المحيطين به وما يتهدده من مخاطر، قل نظيرها ــ الأهداف ــ في تاريخ هذا الكيان المؤقت. الأمر الذي يدفع إلى الذهن سؤالاً مركزياً، يمكن أن تتفرع منه مئات الأسئلة، والاستفسارات، هذا السؤال يقول: كيف لهذا الكيان المحاصر بكل هؤلاء الأعداء، والذي تقول الدراسات والتقديرات، فضلاً عما يقوله هو عن ذاته من أنه يعاني من كثير من المشاكل، ويواجه كثيراً من العقبات، كيف له أن يقوم بتنفيذ كل هذه المهام، ويحقق كل هذه الأهداف والإنجازات؟ إن الإجابة عن هذا السؤوال هي محور هذه الورقة، والأساس الذي ستبنى عليه.

 واقع ووقائع عن جيش الكيان المؤقت:

1. نقص في العديد، وعلى مختلف الصعد، كان آخرها ما أشارت له التقارير من أن جيش الكيان المؤقت يواجه نقصاً يقدر بحوالي 1300 ضابط، من رتبة ملازم إلى رتبتة نقيب. وهذه الرتب ليست رتب ضباط أركان، يديرون العمليات في غرف مغلقة، أو من خلف شاشات البلازما، وإنما هم ضباط ميدان يقودون قوات مناورة تعبوية، مما يعني أن النقص في هذا الصنف من القدرات البشرية، يعني ضعفاً في قدرة الجيش على المناورة البرية، الأمر المشهود والمشاهد.

2. نقص يصل إلى 300 ضابط من رتبة رائد، وهم أيضاً ضباط ميدان، يفترض وفقاً للتنظيم القتالي لجيش العدو أنهم قادة سريا مناورة تعبوية. لكن ما هو أهم من ذلك ــ قيادتهم لسرايا مناورة ــ أن هذه الطبقة من الضباط هي التي يفرز منها ضباط القيادات العليا في الجيش، من خلال دخولها في مسارات عمل مختلفة، والنقص فيهم يعني عدم استقرار وخلل في المستويات القيادية العليا في الجيش.

3. تراجع في الاستعداد لمواصلة الخدمة النظامية، أو الرغبة في مواصلتها، بلغت في الأولى 63%، وفي الثانية 37% في إيحصائات عام 2025، حيث كانت في عام 2018، للأولى 83%، وللثانية 58%. وهذا يعني خسارة تجارب وخبرات متراكمة، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على كفاءة وجاهزية جيش العدو.

4. تعب وإنهاك في القوات النظامية التي تقاتل أو تدير وتقود عمليات في مختلف الجبهات، فأكثر هذه القوات لم تخرج إلى استراحة قتالية؛ شخصية أو إدارية، تستغل في الراحة الفردية وتجديد النشاط، أو التدريب وتلقي الدورات التأهيلية، الأمر الذي يعني تقصيراً في المواكبة والتطوير ورفع الكفاءة، بناء على ما استخلص من دروس وعبر، مما يُخاض من معارك وحروب.

5. تراجع مكانة و( قداسة) هذه المؤسسة، والتي كانت تعد (بقرة) هذا الكيان المؤقت، ذات القداسة الممنوع الاقتراب منها، فقد أصبحت (تلاك) على كل لسان، وتهاجم من كل فئات هذا الكيان المؤقت وأحزابه، وهو ما يؤثر على الروح المعنوية لمنتسبيها، ويجعلها مؤسسة طاردة للطاقات، بعد أن كان الانتساب لها يجلب الفخر والامتيازات.

6. دخول هذه المؤسسة والتي يفترض أنها مؤسسة الــ(شعب)، في معترك التجاذبات السياسية الداخلية، الأمر الذي أثر، ويؤثر على معنويات منتسبيها، فضلاً عن كفاءتهم القتالية، وتراتبيتهم القيادية.

7. ضعف وخلل في المناورة البرية، ظهرت لدى قوات الجيش في كل حروبه التي خاض فيها مناورات برية، منذ تموز 2006 وحتى أكتوبر 2023. فلم يثبت هذا الجيش كفاءة قتالية عالية في توغلات سلاح بره، في حرب "طوفان الأقصى" في غزة أو " أولي البأس" في لبنان، وحتى في مناورة "بيت جن" الأخيرة في الجنوب السوري المحتل، الأمر ــ ضعف المناورة البرية ـــ الذي دفعه إلى:

أ‌. التمهيد للمناورة البرية بكثافة نارية غير مسبوقة.

ب‌. مواكبة المناورة البرية بقدرات جوية، بمختلفة وسائط النار ومنصاتها، المأهول منها والمسير.

ت‌. وقف المناورة عند اصطدامها بقدرات دافعية معادية، واستدعاء نار الاسناد، للقضاء على التهديد، أو العائق الدفاعي، حتى لو أدى هذا الإجراء إلى تأخير في إنجاز المهام، أو التراجع عنها.

المهام والواجبات الملقاة على عاتق هذه المؤسسة:

قبل الدخول في الحديث عن الإجراءات التعبوية والإدراية التي يقوم بها العدو لردم الفجوة بين القدرات المتاحة، والمهام المطلوبة؛ لا بد من تذكير سريع بمهام هذا الجيش، والواجبات المطلوبة منه، والتي من أهما ما يلي:

1. تأمين الجبهة الداخلية للكيان، عبر تأمين وسائل وقدرات الدفاع عن أصولها الإستراتيجية، ومراكز ثقلها البشرية والمادية.

2. إدامة الاشتباك مع تهديدات داخلية (الضفة الغربية، مناطق الثمانية والأربعين)، وخارجة ( غزة، لبنان، سوريا، اليمن، العراق، إيران) فاعلة ونشطة.

3. إدامة الجاهزية، ورفع الكفاءة القتالية للقوات النظامية والاحتياط، وتأمين كل ما يضمن تحقيق هذا الهدف من متطلبات إدراية أو تعبوية.

طرق ووسائل ردم الفجوة بين القدرات والمهمات:

من أجل ردم هذه الفجوة؛ لجأ العدو إلى تدبير قيادي على المستوى الاستراتيجي يقضي بضرورة رعاية أصل تخصيص القدرات، القائم على الاستثمار في تطوير وتجهيز وامتلاك أسباب قوة ذات كفاءة قتالية عالية، لا تتطلب عند التشغيل كثيراً من القدرات البشرية، الأمر الذي اشتقت منه تدابير قتالية وإدارية، من أهمها:

1. المراجعة والتدقيق في المعارك لاستخلاص العبر، وتوليد مفاهيم قتالية، تصوغ وتضبط التوجهات المستقبلية على صعيد مسار بناء وترميم القدرات.

2. تشغيل قدرات قتالية ذات تقنيات عالية وآثار تدميرة كبيرة.

3. أتمتة القدرات، عبر البحث عن طرق ووسائل تشغيل منصات النار وقواعدها، البرية والجوية والبحرية، بأقل قدرات بشرية، دون أن تفقد هذه القدرات فاعليها القتالية و/أو آثارها التدميرية.

4. إشراف معلوماتي، وسيطرة على مسرح العمليات، وميدان المعركة، لرفع فاعلية وكفاءة تشغيل الوسائط النارية.

5. استبدال مفهوم القتال، بمفهوم القتل، بحيث تقل مساحة احتكاك واشتباك القدرات البشرية، بمصادر التهديد، والاستعاضة عن ذلك بقدرات تدمير عالية، بقواعد اشتباك مرنة، تحددها طبيعة المهمة وهدفها.

6. استخدام قدرات بشرية نوعية ( قوات خاصة من مختلف الصنوف)، متعددة الواجبات والمهام، بحيث يتم ضمان تنفيذ المهمة بأسرع وقت، وأقل الأكلاف.

 الخلاصة والتوصيات:

إن مواجهة مثل هذا الجيش، الذي يمتلك قدرات نارية يعتد بها، ووسائط قيادة وسيطرة معتبرة، وقدرة على الدخول والخروج ( التماس وقطع التماس) السريع إلى ساحة المعركة، مدعوماً بمستوى عال من التفويض في إدارة مناورته القتالية، ووضع ما يناسبها من قواعد اشتباك، إن مواجهته تتطلب:

1. المراجعة والتدقيق في كل معركة، أو اشتباك، أو احتكاك مع هذا العدو، بهدف استخلاص الدروس والعبر للمواجهات القادمة.

2. توليد مفاهيم قتالية؛ تعبوية وإدارية، وعلى مختلف المستويات؛ الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية، تحكم مسار بناء وترميم القوات، بحيث لا تبقى قوى المقاومة؛ الشعبية منها والرسمية، أسيرة مفاهيم اندرست وعفى عليها الزمن.

3. النظر في طرق وأساليب عمل قادرة على التغلب على مستوى تقانة آلة قتل العدو.

4. عقد ورش عمل ودراسة؛ فنية وتخصصة، لبحث مفهوم (أتمتة) قدرات المقاومة، وما يقتضيه من إجراءات إدارية وتعبوية.

هذه بعض الأفكار التي يمكن أن تشكل قاعدة بحث ودراسة لورش عمل، تبحث وتراجع، لتستخلص دروساً وعبراً من المعارك والحروب والاحتكاكات مع هذا العدو، ليبنى على الشيء مقتضاه.

اخبار ذات صلة