مع اقتراب مرور شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، لا تزال المشاهد اليومية في قطاع غزة تروي قصة معاناة إنسانية واقتصادية متواصلة، في ظل تباطؤ واضح في تنفيذ بنود الاتفاق المتعلقة بتوسيع المساعدات، وإدخال مستلزمات الإصلاح والإعمار، وفتح المعابر التجارية أمام الأفراد والبضائع.
وفي توصيف دقيق للوضع، يقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع: "غزة أشبه بمريض في العناية المركزة؛ التوقف عن القصف منحه فرصة للتنفس، لكن الأعضاء الحيوية لا تزال متعثرة".
ويضيف الطباع لصحيفة "فلسطين": "المعضلة الكبرى لا تكمن فقط في حجم الدمار الذي طال آلاف الوحدات السكنية والبنى التحتية، بل في استمرار الحصار الذي يمنع إدخال مواد البناء بالكميات الكافية لإطلاق عملية إعادة إعمار حقيقية".
وحول المؤشرات الاقتصادية، يشير الطباع إلى أنها "ما تزال كارثية، مع وصول معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وانخفاض حاد في القدرة الشرائية للمواطنين، ما دفع بأكثر من 80% من السكان إلى ما دون خط الفقر".
من جهته، يُحمّل وضاح يسيّسو، عضو الاتحاد العام للصناعات، المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة، قائلاً: "وعود المؤتمرات الدولية لإعمار غزة بقيت حبيسة الأوراق في أدراج المؤسسات المانحة، في ظل تعتيم إعلامي دولي مقصود على حجم الدمار الحقيقي الذي لحق بالقطاع الاقتصادي".
ويتابع: "المنشآت التجارية والصناعية إما دُمّرت بالكامل أو تضررت جزئيًا، والمعاناة مضاعفة بسبب غياب التمويل اللازم لإعادة التشغيل، وانعدام أي ضمانات بعدم تكرار الدمار. فكيف يُقنع تاجر أو صاحب مصنع بأن يستثمر ما تبقى لديه في مشروع مهدد بالتدمير مجددًا؟".
ويشدد يسيّسو على أن "المعابر تشكّل شريان الحياة للاقتصاد الغزي، ولا تزال مغلقة أمام حركة البضائع إلا بشكل رمزي، فيما نحتاج إلى فتح دائم للمعابر، وإدخال المواد الخام للصناعة، وفسح المجال أمام التصدير لإنعاش الاقتصاد المتآكل".
من ناحيته، أكد المهندس عائد أبو رمضان، رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية، حرص المؤسسات الاقتصادية على "تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية لإطلاق برامج مهنية تسهم في تطوير قدرات العاملين في المنشآت الاقتصادية".
وقال: "نعمل على تقديم تدخلات عاجلة تساعد على استعادة النشاط الاقتصادي وفق الأولويات الفعلية للمرحلة الراهنة، حيث تُعد تنمية القدرات البشرية، ودعم منظومة التشغيل، وتطوير بيئة الأعمال ركائز أساسية لأي خطة تعافٍ مستدامة".
ودعا إلى "بناء شراكات استراتيجية مع منظمة العمل الدولية وسائر المؤسسات الأممية لتطوير برامج مهنية تُعيد دمج آلاف العاملين المتضررين في سوق العمل، وتدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بوصفها الأقدر على توفير فرص عمل في المدى القريب".
بدوره، يرسم نزار الوحيدي، الخبير الزراعي، صورة قاتمة للقطاع الزراعي، مشيرًا إلى أن "ما جرى يُمثّل إبادةً شبه كاملة للقاعدة الإنتاجية الزراعية في غزة".
ويوضح لـ"فلسطين" أن "المأساة لا تقتصر على تدمير الأراضي الزراعية، بل تشمل تدمير آبار المياه وتهديد الخزان الجوفي بالتلوث، نحن أمام كارثة بيئية بكل المقاييس".
ويحذر من أن "غزة قد تفقد قدرتها على توفير الحد الأدنى من الأمن الغذائي لسكانها إذا لم يتم التدخل الفوري، خاصة بعد ضياع الموسم الزراعي الحالي شبه كامل، ما يستدعي برنامج إعادة تأهيل عاجل يشمل توفير البذور المحسّنة، وشتلات الأشجار، وإعادة تأهيل الآبار والبنية الزراعية الأساسية".