فلسطين أون لاين

عائلة في عتمة الغياب.. نافذ عماد أسير لا تعترف به سلطات الاحتلال

...
هاجر عماد والدة الأسير نافذ حرز الله عماد
غزة/ جمال غيث

منذ السادس من ديسمبر/كانون الأول 2023، لم تعرف عائلة الأسير نافذ حرز الله عماد طعم النوم. فالشاب الذي خرج ذات صباح من منزله في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة متوجهًا إلى مستشفى كمال عدوان، لم يعد، ولم تتلقَّ عائلته حتى هذه اللحظة أي معلومة رسمية تؤكد أنه على قيد الحياة أو تشرح سبب اعتقاله.

ورغم أن عددًا من الشهادات التي نقلها أسرى مُفرج عنهم أكدت وجوده داخل أحد السجون الإسرائيلية، فإن سلطات الاحتلال ما تزال ترفض الاعتراف باعتقاله أو الكشف عن وضعه الصحي والقانوني.

أم تقاوم بالدموع

"لا نعرف شيئًا عن مصير نافذ.. كل ما نملكه مجرد كلمات قالها أسرى خرجوا من السجون"، بهذه الجملة بدأت السبعينية هاجر عماد حديثها، وقد بدت على وجهها علامات إنهاك لم تستطع إخفاءها، ليس فقط من طول الانتظار، بل من قلقٍ يأكل قلبها كل يوم.

وتشرح لـ "فلسطين أون لاين" أن قوات الاحتلال اعتقلت ابنها من داخل مستشفى كمال عدوان شمال القطاع، خلال اقتحامه في ديسمبر 2023، مع 17 شخصًا آخرين، أُفرج عن 15 منهم، بينما بقي "نافذ" ورفيقه عادل أبو عيشة في قبضة الجيش، ومنذ ذلك اليوم انقطع أثره تمامًا.

تضيف الأم وهي تمسك صورته: "طرقنا كل الأبواب؛ منظمات في غزة والضفة، ومؤسسات حقوقية، وجهات محلية ودولية، لكن الجواب كان واحدًا دائمًا: الاحتلال لا يعترف بوجوده". وتتابع بصوت ترتجف فيه المرارة: "هل قتلوه؟ هل هو مريض؟ هل يتعرض للتعذيب؟ لا أعرف.. لكن قلبي يخبرني أن نافذ ما زال حيًا".

قوائم بلا اسم

تتابع العائلة، وفق قولها، باستمرار قوائم الأسرى المتوقع الإفراج عنهم ضمن صفقات التبادل أو الاتفاقات الإنسانية، وفي كل مرة كانت الأم تفتح القوائم بيدين مرتجفتين، تبحث عن اسمه، ثم تطوي الورقة بخيبة جديدة تثقل صدرها.

ورغم تعاقب الخيبات، جاءت شهادات الأسرى المفرج عنهم لتنعش أملًا صغيرًا، إذ أكّد أكثر من أسير للعائلة أنهم رأوا نافذ داخل السجن، وأنه ما يزال على قيد الحياة.

وتسأل الأم بلهفة تقطع القلب: "قالوا لنا إنه تحدث معهم وجلسوا إليه.. فكيف يُخفيه الاحتلال؟ لماذا ينكر وجوده؟ وماذا ينوي؟"، معرِبة عن خشيتها أن يتعرض نجلها للخطر.

وتضيف بدموع: "نافذ ابني البِكر، كان لا يبدأ صباحه إلا بزيارتي وتقبيل رأسي. قلبه طيب، لم يؤذِ أحدًا.. لماذا يأخذونه؟ وما ذنبه؟".

بين الإعياء والخوف

تعاني الأم من السكري وارتفاع ضغط الدم، وقد ساءت حالتها الصحية منذ اعتقال ابنها، قائلة: "لم أذق طعم النوم ليلة واحدة، كل ليلة أبكي حتى يغلبني التعب".

وتتساءل بوجع واضح: "ماذا تنوي سلطات الاحتلال؟ لماذا يُخفون أبناءنا؟ هل يريدون إعدامهم؟ نحن نعيش قلقًا لا يُحتمل".

إلى جوار الأم يقف صبحي عماد، شقيق نافذ، محاولًا دعم والدته رغم ثقل ما يحمله هو نفسه من خوف، مؤكدًا لمراسل صحيفة "فلسطين" أن شهادات الأسرى الذين التقوا بنافذ تشير إلى أنه محتجز في سجن "النقب" الصحراوي، وأن وضعه الصحي متدهور بعدما فقد نصف وزنه بسبب سوء المعاملة وقلة الطعام والإهمال الطبي والتعذيب المستمر.

ويقول صبحي: "الاحتلال ينتهج سياسة الإخفاء القسري، يعتقل الآلاف من غزة بلا أسماء، بلا تهم، بلا حقوق.. نريد فقط أن نعرف: هل نافذ بخير؟".

ويشير إلى أن شقيقه، البالغ من العمر 39 عامًا، هو معيل أسرة مكوّنة من خمسة أبناء: حسام، وصلاح الدين، وحازم، وآلاء، ولانا، أكبرهم لم يتجاوز الخامسة عشرة، وجميعهم يطرحون السؤال ذاته كل يوم: "متى يعود أبي؟".

منزل مدمَّر ومصير غامض

نزحت العائلة أكثر من مرة خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، متنقلة بين شمالي ووسط وجنوبي القطاع، قبل أن يُدمّر منزلها في مشروع بيت لاهيا بالكامل. وسط هذا الخراب، يبقى مصير "نافذ" الجرح الأكبر الذي لم يُضمّد.

وتناشد العائلة المنظمات الدولية والدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 13 أكتوبر 2023 ممارسة الضغط للإفراج عن الأسرى ووقف ما يتعرضون له من تعذيب وإخفاء قسري داخل السجون.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، نفذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال جماعية طالت آلاف الفلسطينيين من القطاع دون الكشف عن أسمائهم أو أماكن احتجازهم. هذا الإخفاء ليس حالة فردية، بل سياسة ممنهجة توصف بأنها "جريمة حرب" وفق القانون الدولي.

لكن بالنسبة لعائلة نافذ، لا تعني التصنيفات القانونية الكثير؛ فكل ما يهمهم أمر واحد فقط: أن يعرفوا أين هو، وأن يعود إليهم سالمًا.

وتختم الأم هاجر حديثها، وصوتها بالكاد يُسمع: "أريد أن أرى ابني.. فقط أن أراه.. هذا كل ما أطلبه من العالم".

المصدر / فلسطين أون لاين