قائمة الموقع

الأطباء أعادوا إحياء المستشفى بأدوات انتُشلت من تحت الأنقاض

2025-12-03T15:17:00+02:00
المدير الطبي لمجمع الشفاء الطبي في غزة الدكتور حسن الشاعر
فلسطين أون لاين
  • الاحتلال اعتقل الأطباء ودمّر المنظومة الصحية
  • الاحتلال يمنع إدخال الأجهزة الأساسية ويترك المرضى يواجهون الموت

أكد المدير الطبي لمجمع الشفاء الطبي في غزة، الدكتور حسن الشاعر، أنّ المنظومة الصحية في قطاع غزة كانت منذ اللحظة الأولى على رأس أهداف الجيش الإسرائيلي خلال الاجتياح البري للقطاع، مشيرًا إلى أن استهداف المستشفيات لم يكن هامشيًا أو عرضيًا، بل سياسة ممنهجة بدأت منذ الأيام الأولى للحرب، واستمرّت حتى تدمير أكبر مجمع طبي في غزة بالكامل، واعتقال كوادره واستشهاد عددٍ منهم خلال حرب الإبادة الجماعية.

ويستعيد د. الشاعر الأيام الأصعب حين بدأ الحصار لمجمع الشفاء بعد ثلاثين يومًا من الاجتياح البري، ويروي لمراسل صحيفة "فلسطين" أنهم مكثوا عشرة أيام كاملة داخل المستشفى تحت تطويق شامل، في حين كانت قوات الاحتلال تقتحم الأقسام تدريجيًا، وتمنع الحركة والعلاج، وتقيّد عمل الطواقم الطبية، ورغم ذلك رفض الأطباء والممرضون المغادرة واستمروا في تقديم الرعاية بجهود مضنية وتحت ظروف شديدة الخطورة.

وأوضح أنه بعد مفاوضات مرهقة، فرض الاحتلال في 18 نوفمبر 2023 إخلاءً قسريًا للمرضى والطواقم، وأن المرضى غير القادرين على الحركة أُجبروا على الخروج زحفًا أو محمولين، فيما جرى نقل الحالات الحرجة بعد تنسيق مع الصليب الأحمر في 23 نوفمبر.

وأكد الشاعر أن المشهد كان صادمًا، وأن الاحتلال تعامل مع المرضى وكأنهم "عبء بشري" يجب التخلص منه.


 

اعتقال الأطباء

وخلال عملية الاقتحام، اعتقل جيش الاحتلال مدير مجمّع الشفاء د. محمد أبو سلمية وطاقمًا من الأطباء والإداريين، قبل أن يُفرج عنه بعد أكثر من سبعة أشهر من الاحتجاز.

وقال الشاعر لصحيفة "فلسطين" إن الاحتلال كان يستهدف الأطباء عن قصد، معتبرًا إيّاهم عصب المنظومة الصحية، وحتى اليوم ما يزال عشرات الأطباء قيد الاعتقال دون محاكمة، وبعضهم من أبرز الكفاءات الطبية في القطاع.

وأكد أن الاحتلال وضع ثلاثة أهداف رئيسية في حربه: الطبيب، وسائق الإسعاف، والصحفي، في محاولة لشلّ قدرة المجتمع على الصمود وتوثيق الجرائم، وهو ما حوّل المستشفيات إلى ساحات مواجهة مباشرة.

تدمير المجمّع

وفي مارس 2024، شُنّت أعنف الهجمات على مجمّع الشفاء الطبي، حيث جرى حصاره واقتحامه بقوات كبيرة، وقُتل عدد من الأطباء والممرضين والإداريين، ودُمّرت جميع المباني الرئيسية، بما في ذلك أقسام الجراحة والعمليات والعناية المركزة والولادة.

وكشف د. الشاعر أن حجم الدمار كان شبه كامل، إلى درجة أن الطواقم لم تعد تجد حتى الأدوات الأولية للبدء بإعادة التشغيل، ومع ذلك بدأت فرق طبية صغيرة، وسط الركام المتكدّس، بانتشال ما تبقى من الأجهزة والمستلزمات، من بينها أدوات جراحية مدفونة تحت الأنقاض، وأجهزة تخدير محطمة جزئيًا، وبعض المستهلكات الطبية القابلة للتنظيف وإعادة الاستخدام، وأجزاء من أجهزة مراقبة يمكن إصلاحها.

وأضاف: "الأدوات الجراحية التي نعمل بها اليوم جُمعت حرفيًا من تحت أنقاض المجمّع، وكل آلة وكل مشرط وكل أداة موجودة في غرف العمليات الآن هي من بقايا ما استطعنا إنقاذه".

وتابع أن هذا الواقع جعل معظم العمليات الجراحية تُجرى بإمكانيات محدودة جدًا، وأن بعض الأجهزة باتت "منهكة" نتيجة كثرة الاستخدام وعدم خضوعها للصيانة منذ نحو عامين.

وبعد سبعة أشهر من التوقف القسري، عاد الطاقم الطبي إلى مجمّع الشفاء في أكتوبر 2024 لمحاولة إعادة تشغيل جزء محدود من خدماته، حيث جرى ترميم قسم الاستقبال، وإنشاء غرفتي عمليات طارئة، وتجهيز 26 سريرًا، لاستقبال الحالات من مدينة غزة وشمال القطاع.

ورغم التحديات، تمكنت الطواقم من استئناف جزء من العمل حتى عودة النازحين بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، حيث عاد المئات من العاملين في القطاع الصحي للمشاركة في إعادة ترميم المجمّع.

وأشار الشاعر إلى مواصلة العمل لإعادة بناء قسم الولادة وترميم أقسام أخرى، كما تم استئجار مستشفى الحلو الدولي وتحويله إلى مستشفى للولادة يحتوي على ست غرف عمليات.

خسائر بشرية

وقال الشاعر إن القطاع الصحي فقد ما بين 25% و30% من كوادره الطبية بين قتيل ومعتقل ومُهجّر قسرًا، وخلال الحرب استشهد أكثر من 400 من العاملين الصحيين، معظمهم من ذوي الخبرة الطويلة، ما أحدث فجوة كبيرة في القدرة على تقديم الخدمات الطبية.

وأضاف: "نستعين بالوفود الطبية الخارجية عند السماح بدخولها، لكن الاحتلال غالبًا ما يمنع دخول هذه الوفود أو يسمح لها بالدخول من دون معدات، فيصبح وجودها بلا جدوى حقيقية".

وبيّن وجود نحو 600 مريض بحاجة إلى عمليات قلب مفتوح لا يمكن إجراؤها داخل القطاع بسبب نقص الأجهزة والكوادر.

وشدد على أن الاحتلال يمنع إدخال الأجهزة الجوهرية اللازمة لاستمرار العمل في المستشفيات، ومنها: أجهزة الرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية، وأجهزة التنفس الاصطناعي، ومعدات التخدير، ومثبتات الكسور، والفوط الطبية المعقمة، والأدوات الجراحية الأساسية.

وتابع: "في المقابل، يسمح الاحتلال بإدخال مواد غير ذات قيمة صحية، مثل أنواع الشوكولاتة، رغم أن معظم سكان القطاع لا يستطيعون شرائها"، مضيفًا: "الاحتلال يدخل ما لا نحتاجه، ويمنع ما هو ضروري لإنقاذ الأرواح".

وأشار إلى أن 30 ألف مريض بحاجة إلى العلاج خارج غزة خلال الأشهر الستة الماضية، ولم يُسمح إلا لثلاثة آلاف منهم بالمغادرة، مشيرًا إلى أن المئات استشهدوا أثناء انتظار التنسيق، ولا سيما مرضى السرطان والمصابين بإصابات خطيرة.

صمود رغم المجزرة

وثمّن الشاعر الدور البطولي للطواقم الطبية التي واصلت العمل على مدار الساعة طوال الحرب، مؤكدًا أن خبرتها في التعامل مع حالات الطوارئ أصبحت فريدة، لكنها جاءت نتيجة معاناة قاسية.

وقال بحزن إن عددًا من الجرحى تُركوا يواجهون الموت بسبب نقص المستلزمات والأجهزة اللازمة للعلاج، مضيفًا: "وصلتنا إصابات مروّعة، من بينها حروق بنسبة 80%، وإصابات شديدة في الرأس والأطراف نتيجة استخدام الاحتلال أسلحة حارقة ومتفجرة".

وأكد أن 70% من الجرحى كانوا من النساء والأطفال، في دلالة واضحة على أن الاستهداف طال المدنيين بشكل مباشر.

ورغم ذلك، يؤكد الشاعر تصميم الطواقم الصحية على إعادة بناء مجمّع الشفاء وتشغيله كاملًا، مشيرًا إلى أن الاحتلال يضع عراقيل كبيرة أمام إدخال مواد البناء والمعدات الطبية رغم وعود المؤسسات الدولية بدعم إعادة الإعمار.

ويختم قائلًا: "سنواصل العمل مهما بلغت التحديات. استهداف الطبيب والمنظومة الصحية لن يكسر إرادتنا، وسنعيد بناء مجمّع الشفاء الطبي، لأنه روح غزة وعمودها الطبي الأول".

 

اخبار ذات صلة