قائمة الموقع

المعروض على العرب: انتحروا... أو نقتلكم

2025-12-03T11:50:00+02:00

"ولمّا كان العام الخامس والعشرون بعد الألفين من الميلاد صار معيار تقييم الجيوش العربية هو الرضا الصهيوني عن أدائها، وباتت حدود العرب الجغرافية تحدَّد بحسب المقاييس الإسرائيلية، وأضحت تركيبة العلاقات الاجتماعية بين مكونات القطر العربي الواحد رهن الإرادة الأميركية والإسرائيلية... صار ذلك كذلك من دون أن يبدي العرب أية ممانعة أو مقاومة لهذا المصير، بل إن كلمة (المقاومة) ذاتها باتت من المحذوفات من قاموس الحياة العربية، وكأن حكامها سعداء وهم ينفذون ما يُطلب منهم، من دون أن يشعر أحدهم بأنهم يساقون للذبح في مشهد مستعاد مما وصف به المفكر والمؤرّخ جمال الدين الأفغاني العرب والمسلمين قبل قرن".

النص المحبوس بين علامتَي التنصيص أعلاه قد يكون فقرة من التاريخ الذي سوف تقرأه أجيال مقبلة في المستقبل غير البعيد، ذلك أن الواقع العربي في اللحظة الراهنة يتّجه حثيثاً نحو هذه الصورة المخجلة، بالنظر إلى حالة الرضوخ غير المسبوق لمنطق الرئيس الأميركي ومنطوقه، وهو الذي لا يتكلم إلا بما يريد العقل الصهيوني فرضه وتحقيقه من تصورات تخصّ مستقبل الوجود العربي في هذه المنطقة التي كانت عربية خالصة، لكنها تكاد تذوب في حالة شرق أوسطية تتحكم فيها إسرائيل.

حالة الخمسين مقاوماً فلسطينياً يحاصرهم الاحتلال داخل الأنفاق في غزّة تجسد الموقف العربي كلّه في مواجهة الكيان الصهيوني، إذ المعروض عليهم الاختيار بين تسليم السلاح والاستسلام والاقتياد إلى السجن، وبين الموت قتلاً في أماكنهم. وهي المقايضة نفسها المعروضة على الإنسان الفلسطيني في غزّة: الاستسلام للمشيئة الصهيونية والتخلّي عن فكرة الوطن والتفكير في التحرّر من الاحتلال والقبول بالعيش في كنف المحتلّ وخدمته، أو الإبعاد إلى منافي الدنيا الواسعة، وهو موتٌ لا يقل بشاعةً عن القتل بالقصف الصاروخي.

لبنانياً، كذلك سوف تجد العرض نفسه، فإمّا أن ينتحر لبنان أو تقتله إسرائيل، إذ بحسب هيئة البثّ الإسرائيلية، أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة عدم رضاها عن أداء الجيش اللبناني فيما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله وإنهاء وجوده في المعادلة السياسية. تقول تل أبيب للبنانيين بوضوح: حاربوا مقاومتكم واقتلوها، أو سنأتي نحن نقتلكم ونقتل مقاومتكم ونوسّع حدودنا في عمق أراضيكم. الاختيار باختصار هو الانتحار أو القتل، إذ لا معنى للرضا الصهيوني عن أداء الجيش اللبناني سوى أن ينزع هذا الجيش السلاح من حزب الله بالقوة، وهو ما يعني مباشرة اشتعال الحرب بين جيش وطني ومقاومة وطنية إرضاء للعدو التاريخي للاثنين، الأمر الذي يؤدّي، في النهاية، إلى إعادة إنتاج الحرب الأهلية اللبنانية، التي لم تتوقّف إلا عندما اصطفّ الفرقاء في مواجهة عدوهم الواحد والمشترك: إسرائيل والعملاء.

وليس المعروض على سورية مختلفاً عن الحالتَيْن اللبنانية والفلسطينية: الاستسلام والتسليم بحقّ الكيان الصهيوني في التمدّد والتموضع في عمق الجغرافيا السورية بزعم تأمين نفسه من احتمالات خطر قد يتهدّده مستقبلاً، أو فالقصف والغزو والتوغّل والقتل في كلّ شبر على الأرض السورية لن يتوقّف، وعلى ذلك يقع الاعتداء تلو الآخر، وكل ما يسمح به للدولة السورية حقّ التنديد والشجب والشكوى والالتماس من المجتمع الدولي أن يوقف تحرّش إسرائيل بها.

يحدُث ذلك كلّه بينما الوظيفة الوحيدة للمحيط العربي باتت هي ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية وحمل رسائل التهديد والوعيد الأميركية والإسرائيلية للدول التي لا تزال خارج حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والقبول به وريادته للشرق الأوسط، فلمَ لا تتصرّف إسرائيل بهذه الوقاحة كلّها في فلسطين ولبنان وسورية؟ وهي ترى القضية المركزية عند النظام العربي أصبحت النضال من أجل تنفيذ خطط سلام دونالد ترامب.

معنى السلام المعروض على العرب تغير من أنه معكوس الحرب، إلى نقيض المقاومة ورفض الاحتلال... هكذا ترغب إسرائيل فتستجيب واشنطن وينفذ العرب.

اخبار ذات صلة