في سابقة لافتة على مستوى الخطاب الدبلوماسي العربي، أدلى نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني السابق، مروان المعشر بسلسلة تصريحات سياسية حادة وغير مسبوقة، تناول فيها شرعية القيادة الفلسطينية، ومستقبل حل الدولتين، وسياسات الضم الإسرائيلية، والموقف الأميركي من الصراع.
جاءت هذه المواقف في سياق قراءة معمقة للتطورات الجارية، مستندة إلى خبرته الطويلة في إدارة الملفات العربية والدولية وقدرته على النفاذ إلى مراكز القرار في الغرب والشرق على حد سواء.
وأطلق هذه التصريحات خلال لقاء جمعه مع مجموعة من النشطاء السياسيين في عمان مؤخرا، قدم خلاله إحاطة مطولة حول نتائج زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقاءاته مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.
وتنبع أهمية ما قاله من كون المعشر أحد أبرز العارفين بدهاليز السياسة الفلسطينية وعلاقات السلطة العربية والدولية، ومن كونه أيضا شخصية سياسية عربية مخضرمة تربطه علاقات طويلة مع رئيس السلطة محمود عباس وعدد من أركان السلطة الفلسطينية، ما أضفى وزنا إضافيا على مستوى التحذيرات التي أطلقها.
أزمة تمثيل السلطة
شدد المعشر على أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة تمثيل حادة، لافتا إلى أن عباس "لا يمثل أحدا" في ظل تراجع شرعيته الشعبية.
ورأى أن مؤسسات السلطة باتت عاجزة عن التعبير عن الشارع الفلسطيني أو صياغة رؤية سياسية قابلة للحياة.
وفي سياق الحديث عن البدائل، اعتبر أن طرح حسين الشيخ كخيار إصلاحي "لا يستند إلى أي قبول شعبي"، قائلا إن الرجل لا يحظى "ولا حتى بواحد في المئة" في استطلاعات الرأي. وأكد أن استبدال أشخاص داخل البنية ذاتها ليس إصلاحا، ولن يُعيد الثقة بالسلطة.
وحذر من أن استمرار التدهور يتطلب مبادرة عربية صريحة لمصارحة عباس بأن استمرار الوضع القائم ينسف أي أمل بعملية سياسية حقيقية. وأضاف أن أبو مازن "مدرك تماما" لطبيعة الأزمة، ما يجعل الصمت العربي عن غياب الإصلاح أمرا غير مبرر.
قراءة في الموقف الأميركي
وأشار المعشر أن إدارة الرئيس ترامب لا تمتلك أي رؤية سياسية واضحة لحل الصراع. فالحديث ينحصر في وقف الحرب وإعادة إعمار غزة دون تحديد إطار سياسي أو تسوية نهائية، بينما تترك القضايا الجوهرية كالمستوطنات والضم معلقة.
وأكد أن تصريحات ترامب حول منع ضم الضفة "مجرد كلام"، لأن الوقائع على الأرض تسير في اتجاه الضم منذ سنوات طويلة.
وأشار إلى أن المشكلة لم تعد في شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل في مجتمع إسرائيلي كامل لا يريد دولة فلسطينية ولا يؤمن بحل سياسي.
ولفت إلى أن وجود أكثر من ٧٥٠ ألف مستوطن في الضفة والقدس يجعل الانسحاب "وهميا".
وأضاف أن جميع من التقاهم في واشنطن أكدوا له أن مشروع الضم بات واقعا جديا، مستشهدا بتصريحات وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش حول ضم ٨٢٪ من الضفة واستثناء التجمعات السكانية الفلسطينية فقط.
حل الدولتين.. شعار غير قابل للتطبيق
ورأى المعشر أن استمرار التمسك العربي بشعار حل الدولتين رغم انعدام شروطه "هو ترديد لشعار فارغ"، محذرا من أن الخطاب العربي لن يكون مؤثرا ما لم تطرح بدائل عملية يمكن مناقشتها مع واشنطن والمجتمع الدولي.
وشدد المسؤول الاردني السابق على أن المعادلات تغيرت بشكل جذري: سلطة بلا تمثيل، وإسرائيل رافضة للحل، وضم يتسارع، ومجتمع دولي غائب. داعيا إلى إعادة بناء رؤية عربية شاملة تُعيد تعريف الهدف السياسي وتستعيد زمام المبادرة في القضية الفلسطينية.

