قائمة الموقع

حين تجلي الحمير وترفض استقبال الأطفال الجرحى... انحطاط أخلاقيّ لألمانيا

2025-12-01T15:18:00+02:00
صورة من الأرشيف
فلسطين أون لاين

رفضت ألمانيا استقبال أطفال غزة لتلقّي العلاج في مستشفياتها المتباهية بالإمكانات الطبية المتطورة، لكنها فتحت أبواب أراضيها على مصراعيها لاستقبال أربعة حمير مصابة أُجليت من غزة. هذه هي ألمانيا التي يرى مراقبون أن روح "النازية" لا تزال تسري داخلها، في "انحطاط أخلاقي وسياسي" يمنح الرمزية الحيوانية قيمة تتفوق على حياة البشر.

وتتصدر ألمانيا قائمة المتهمين بدعم جرائم الإبادة في غزة، فهي أكبر داعم أوروبي للاحتلال، إذ رفضت برلين دعوات وقف إطلاق النار، كما ضاعفت — عشر مرات على الأقل — تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل في عام 2023 مقارنة بعام 2022، منها 185 ترخيصًا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وأثار تقرير نشرته صحيفة Allgemeine Zeitung الألمانية موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلانها إجلاء أربعة حمير من قطاع غزة إلى حديقة الحيوانات في بلدة أوبنهايم الألمانية، في وقت تواصل فيه ألمانيا رفض استقبال أطفال وجرحى فلسطينيين منذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل عامين.

وقالت الصحيفة: "لقد تركوا وراءهم الجوع والبؤس والضرب والمشقّة… أربعة حمير أُنقِذت من منطقة الحرب في غزة وجدت منزلًا جديدًا". وبحسب الصحيفة، فإن عملية الإجلاء نفذتها منظمة Starting Over Sanctuary الإسرائيلية غير الربحية، المتخصصة في رعاية الحمير والخيول.

وبينما تستقبل ألمانيا الحمير، رفضت حكومتها الفيدرالية، في سبتمبر/أيلول الماضي، عرضًا قدمته عدة مدن ألمانية لاستقبال ما يصل إلى 20 طفلًا فلسطينيًا للعلاج، مبررة قرارها بأن الوضع في القطاع "مربك وغير متوقع للغاية"، وأن سفر الأطفال يتطلب سلسلة إجراءات معقّدة.

عمليات نهب

وحتى إجلاء الحمير لم يكن — بحسب تقارير — عملية إنسانية بحتة، وإنما غطاء لجريمة أخرى، إذ كشفت تحقيقات استقصائية عن عمليات نهب منظّمة لعشرات الحمير في غزة على يد الجيش الإسرائيلي وجمعيات إسرائيلية، تحت غطاء "الإنقاذ الحيواني".

كما كشفت قناة "كان" العبرية عن عمليات نهب منظّمة لعشرات الحمير بمشاركة جمعيات إسرائيلية وبتواطؤ مؤسسات أوروبية، إذ جرى شحن أول دفعة من الحمير — وتضم 58 حمارًا — من مطار بن غوريون إلى مطار لييج في بلجيكا، ثم إلى ملاجئ حيوانات في فرنسا وبلجيكا.

وشكلت الحمير وسيلة نقل مهمة خلال الإبادة الجماعية، إذ اعتمد عليها سكان قطاع غزة بشكل كبير في التنقل بين المدن والأحياء بعد منع إدخال السولار وتوقف السيارات، كما استُخدمت خلال موجات النزوح المتكررة. وقد أدى نهبها إلى زيادة معاناة أصحابها الذين ظلوا يعانون تحت الحصار والعدوان.

بدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، د. صلاح عبد العاطي، أن إجلاء أربعة حمير من غزة، بينما يموت أطفالها وجرحاها تحت القصف أو يعانون نقص العلاج، يوضح خللًا أخلاقيًا فادحًا من الناحية الحقوقية، ويعكس انحطاطًا أخلاقيًا وسياسيًا لأنه يعطي قيمة لرمز (الحيوانات) على حساب الأرواح البشرية، ويكشف أولويات مشوّهة لدى بعض الجهات الدولية.

وقال عبد العاطي لصحيفة "فلسطين": "المشاركة في مثل هذا الإجلاء — حتى لو كان رمزيًا أو إنسانيًا جزئيًا — تُسهم ضمنيًا في تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، وتقلل الضغط الدولي على الاحتلال. فالإعلام الدولي قد يبرز صورة ‘الرحمة تجاه الحيوانات’ بينما تستمر جرائم الاحتلال ضد المدنيين دون محاسبة حقيقية".

وأضاف أن استضافة الحمير مقابل رفض ألمانيا استقبال جرحى يعكس ترتيبًا خطيرًا في الأولويات، وأن القيمة الإنسانية تُستبدل برمز أو مصلحة، وبعبارة أخرى فإن الرسالة الضمنية هي أن حياة البشر في غزة ليست أولوية، وأن بعض الدول الغربية قد تشارك في هذا "التحييد الرمزي" بدل العمل على إنقاذ الأرواح.

انتهاك صارخ

وعَدّ عبد العاطي استمرار الحصار الذي يمنع نقل المرضى إلى الخارج لتلقّي العلاج انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقهم في الحياة والصحة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفاة بين الأطفال والجرحى بسبب تأخر العلاج أو عدم توفر الرعاية الطبية المتخصصة، فضلًا عن الضغط النفسي والمعاناة الإنسانية نتيجة القيود على التنقل والإهمال الطبي المتعمد، بما يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية.

ولم تكتفِ ألمانيا بالدعم العسكري للاحتلال خلال الحرب، بل وقفت ضد دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل"، وكانت الدولة الوحيدة التي أعلنت تدخلها كطرف ثالث إلى جانب إسرائيل. كما أوقفت مساعداتها التنموية للفلسطينيين، وقررت مؤخرًا تعليق أي دعم جديد لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ومؤخرًا قررت ألمانيا إنهاء تعليقها لشحنات الأسلحة إلى "إسرائيل"، علمًا بأنها أصدرت قرار التعليق الجزئي في آب/أغسطس الماضي، ولم يصمد سوى شهرين، وهو ما فسره مراقبون بأنه محاولة للتغطية على سياساتها، وتخفيف حدة الانتقادات المتصاعدة.

وأكدت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن "قرار ألمانيا إنهاء تعليقها لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل متهوّر وغير مشروع، ويبعث برسالة خاطئة تمامًا مفادها أن إسرائيل تستطيع مواصلة ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وفرض نظام الأبارتهايد على الفلسطينيين، واحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، دون خشية من أي تبعات".

اخبار ذات صلة