قائمة الموقع

مبادرات مدفوعة وطلاب محرومون… عامان من الفاقد يهددان جيلاً بأكمله

2025-11-30T19:01:00+02:00
صورة من الأرشيف
فلسطين أون لاين

لم يعد الوصول إلى التعليم في قطاع غزة أمرًا متاحًا كما كان قبل الحرب؛ فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقد عشرات آلاف الطلبة مدارسهم، وخسروا عامين دراسيين كاملين، في حين لم تتمكّن المدارس الحكومية ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حتى اليوم من استئناف عملها بصورة منتظمة.

وفي الوقت الذي كان يُفترض أن تُسهم المبادرات التعليمية في الحد من الفاقد التعليمي الكبير، تحوّل معظمها إلى مبادرات مدفوعة، الأمر الذي جعل التعليم حلمًا بعيد المنال لآلاف الأسر التي فقدت منازلها ومصادر رزقها.

تولين إسليم (10 سنوات) تجلس أمام باب منزلها المدمّر في حيّ الدرج بعد عودة أسرتها قبل أسبوعين. تقول إنها استيقظت فيها الرغبة بالعودة إلى الدراسة فور رؤيتها أطفال الحي يحملون حقائبهم صباحًا باتجاه النقاط التعليمية، وتقول ببراءة تخفي عامين من الفراغ:

أما والدتها، التي أمضت أيامًا طويلة بحثًا عن مبادرة مجانية أو خيمة تعليمية، فلم تجد خيارًا مناسبًا؛ فالمبادرات المجانية نادرة، بينما تطلب المبادرات القريبة رسومًا تعجز العائلة عن تحملها، لا سيما أن لتولين أربعة إخوة ينتظرون فرصة مماثلة.

وفي منطقة أخرى، تنتظر ناية المشهراوي، التي كان يفترض أن تلتحق بالصف الثالث هذا العام، إعادة فتح مدارس الحكومة أو الأونروا في منطقتها. تقول والدتها إن ابنتها "نسيت القراءة والكتابة تقريبًا"، بعد عامين من الانقطاع دون أي تعليم بديل، وتضيف بأسى:

وفي شارع الوحدة، تجلس أم محمود المصري أمام خيمتها، تضع هاتفًا قديمًا وسط أطفالها الخمسة، في محاولة لتعليمهم عبر مقاطع عشوائية. لا تملك العائلة سوى هذا الهاتف، ولا تقدر على دفع رسوم مبادرة تعليمية تبلغ 25 دولارًا شهريًا لكل طفل. تقول وهي تحاول منع طفلَيها من الشجار على الهاتف:

وتضيف أن ابنها الأكبر نسي جداول الضرب، بينما لا تزال ابنتها الصغيرة عاجزة عن كتابة اسمها بشكل صحيح.

وفي مدينة غزة، يتجلّى وجه آخر للأزمة. محمد السقا، طالب الثانوية العامة الذي كان يحلم بدراسة الهندسة، بات يطالع كتبه القديمة كما لو كانت بلغة غريبة، ويقول بصوت خافت: "بعد سنتين بعيدًا عن المدرسة، لم أعد قادرًا على فتح كتاب… حلمي صار بعيدًا".

مدارس منطقته تحوّلت إلى مراكز إيواء، فيما تعجز المبادرات التعليمية عن استيعاب طلبة الثانوية لندرة المعلمين المختصين.

بدورها، تقول ميران إبراهيم، معلمة اللغة العربية في إحدى مدارس الأونروا، إن ما صدمها خلال عملها في أحد المراكز التعليمية البديلة هو أن "تلاميذ الصف الرابع لا يميّزون بين أشكال الحروف، وكثير منهم فقد المهارات الأساسية"، مؤكدة أن غياب أي خطة رسمية لتعويض الفاقد التعليمي حمّل المبادرات المجتمعية عبئًا يفوق طاقتها، ما دفع كثيرًا منها لفرض رسوم تفوق قدرة أسر غزة الفقيرة.

وبحسب بيانات وزارة التربية والتعليم ووكالة الأونروا، فقد تأثر أكثر من 625 ألف طالب بانقطاع التعليم في غزة، بينهم 390 ألفًا من طلبة الأونروا و235 ألفًا من المدارس الحكومية. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 70% من المدارس خرجت عن الخدمة بين دمار جزئي وكلي أو تحويلها إلى مراكز إيواء، بينما فقد أكثر من 90 ألف طفل مهارات القراءة الأساسية خلال العامين الماضيين.

وتُظهر تقارير أممية أن 97% من المدارس والمرافق التعليمية تضرّرت أو دُمّرت بالكامل، وأن 91.8% منها بحاجة إلى إعادة بناء شاملة أو إصلاحات جذرية. كما وثّقت التقارير استهداف 311 منشأة تعليمية بشكل مباشر، بينها 212 مدرسة و92 مبنى جامعيًا.

وأسفرت حرب الإبادة الجماعية عن استشهاد أكثر من 17 ألف طالب مدرسي و1,261 طالبًا جامعيًا، وإصابة 25,213 طالبًا، إلى جانب استشهاد 492 معلمًا وموظفًا تعليميًا. ولا يزال أكثر من 660 ألف طفل خارج أي نظام تعليم رسمي للعام الثالث على التوالي، منهم 300 ألف طالب في مدارس الأونروا محرومون تمامًا من التعليم الوجاهي.

في المقابل، تمكّنت منظمة اليونيسف من إنشاء 78 مركزًا تعليميًا مؤقتًا فقط، تستوعب نحو 109,310 أطفال، فيما توفّر الأونروا تعليمًا مباشرًا لنحو 62 ألف طالب داخل مساحات آمنة محدودة للغاية. أما بقية المبادرات، فغالبيتها مدفوعة، ولا يستطيع 95% من الأسر الفقيرة تحمّل كلفتها.

كما لم يبدأ نحو 45 ألف طفل تعليمهم الابتدائي هذا العام، في حين فاتت الامتحانات النهائية على 39 ألف طالب، ما يفاقم خطر التسرب والأمية.

وتحذّر تقارير الأمم المتحدة من أن كل عام إضافي بلا تعليم يرفع خطر الأمية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30%، وأن جميع أطفال غزة يعانون مستويات مرتفعة من الصدمات النفسية، ما يجعل استعادة العملية التعليمية تحديًا طويل الأمد قد يمتد لعقود، ويهدّد بخسارة جيل كامل.

في غزة اليوم، لم يعد التعليم ترفًا، بل الخيط الأخير الرابط بين الطفولة والمستقبل. وكل يوم يمضي دون مدارس مجانية ومنتظمة، هو يوم يُسرق من أطفال وُلدوا ليحملوا الأقلام… لا ليكبروا تحت الركام.

اخبار ذات صلة