في قسم الحاضنات التابع لمجمع الشفاء الطبي بغزة، تدور "معركة" من نوع مختلف. أطفال خدج يحتاجون إلى الرعاية الطبية، وأطباء يكافحون لإبقائهم -من العدم- على قيد الحياة.
لا يعي هؤلاء الخدج -الذين ولدوا بعمر رحمي يقل عن 37 أسبوعا- ما يدور حولهم، لكنهم بالضرورة ضحايا لحصار إسرائيلي لا يستثني طفولتهم، ويقطع عنهم شرايين الحياة: الأجهزة والمستلزمات الطبية.
وسط فريق طبي يعمل كخلية نحل، يشير اختصاصي الخدج وحديثي الولادة حسن حرارة إلى طفل في إحدى الحاضنات، قائلا لصحيفة "فلسطين": "هذه الفئة الأكثر تضررا من الحصار الإسرائيلي".
تنحبس أنفاس الأطباء في هذا القسم، نظرا لهشاشة هذه الفئة، وتأثرها البالغ بالأزمات الناجمة عن الحصار المستمر، رغم سريان اتفاق لوقف حرب الإبادة الجماعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول.
يقول حرارة الذي يعمل في هذا المجال منذ 14 عاما: الكثير من المشاكل تواجه الخدج، في مقدمتها نقص الحاضنات، ومع وجود ازدحام شديد في الحالات، نضطر لوضع طفلين أو ثلاثة أطفال داخل الحاضنة الواحدة.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية الحالية لقسم الحاضنات، الذي افتتحته إدارة مجمع الشفاء الطبي، في 24 أبريل/نيسان، بمستشفى الحلو بغزة، 12 حالة، لكنه يستقبل عددا أكبر من الحالات في ظل تدمير الاحتلال معظم المستشفيات، وفق إفادته.
ويتخصص هذا القسم باستقبال الخدج ذوي الحالات الصعبة، ممن تحتاج إلى أجهزة تنفس صناعي ومستلزمات وإمدادات طبية لإنقاذها.
ويمثل عدم توفر معظم الأجهزة اللازمة لتصوير الأشعة السينية والمقطعية، معضلة أخرى تواجه الأطباء، وتعرقل تشخيص الحالات، كما يقول حرارة.
ويتابع: أيضا نقص الحليب المخصص للخدج، فهم يحتاجون إلى حليب مدعم لزيادة أوزانهم، وكذلك النقص في المواد الطبية مثل (السرفكاتنت) التي تستخدم للأطفال حديثي الولادة الذين يقل عمرهم الرحمي عن ٣٧ أسبوع، ولا تتوفر إطلاقا.
و(السرفكاتنت) هي مادة خليطة بين البروتين والدهون فعالة للرئة عند الخدج.
الأكسجين والكهرباء
يتفقد حرارة طفلا خديجا، مبينا أن هذه الفئة تحتاج إلى الأكسجين، لكن تضرر المحطة المركزية في مجمع الشفاء بفعل حرب الإبادة، أثر عليها سلبا.
يقول: "نستخدم داخل قسم الحاضنات إسطوانات أكسجين تعبأ داخل مجمع الشفاء وتنقل إلى هنا. نعاني نقصا في الأكسجين، نظرا لعدم وجود محطة مركزية تغذي هذا القسم".
ويضيف: "الأكسجين أحيانا ينقطع من ٢ـ٣ دقائق وهي مدة كفيلة بأن تسلب حياة طفل، ومع ذلك نستخدم الجهد البشري في إنعاش الأطفال ونكافح لإبقائهم على قيد الحياة".
ويرافق ذلك، خطر انقطاع الكهرباء عن الحاضنات نتيجة تقييد الاحتلال كميات الوقود الواردة لغزة، وتدميره محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.
ويوضح حرارة أن انقطاع الكهرباء لدقائق معدودات يمكن أن يؤثر على الخدج، فهناك أجهزة تنفس صناعي بمجرد توقفها، يحتاج الطفل إلى جهد بشري لإنعاشه لحين استقرار حالته واتصاله بجهاز التنفس الصناعي مجددا.
ونتيجة لذلك، يحذر من أن هؤلاء الأطفال مهددون بالموت، لاسيما مع معاناتهم من نقص المناعة.
تحرك تحت النار
يعد منع الاحتلال إدخال الأجهزة والمستلزمات الطبية امتدادا لسياسة انتهجها ضد المدنيين على مدار حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك الحرمان من العلاج وتدمير المستشفيات، وفي مقدمتها مجمع الشفاء الطبي.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعاد مدير مجمع الشفاء الطبي د.محمد أبو سلمية التذكير بأحد فصول الجريمة الإسرائيلية، التي وقعت قبل سنتين.
عن ذلك اليوم، يقول أبو سلمية عبر حسابه في فيسبوك: "اشتد الحصار على مجمع الشفاء الطبي وقطعت الكهرباء والماء والأكسجين عن حاضنات الأطفال وكان بها حوالي 39 طفلا".
يضيف: "بعدما فشلت كل المناشدات والاستجابة من جميع المنظمات الدولية لنقل هؤلاء الأطفال إلى مكان آمن كانت الخيارات إما أن نترك هؤلاء الأطفال ليموتوا أو أن ننقلهم إلى مكان أكثر أمنا تحت الخطر وإطلاق النار من المسيرات".
"الطواقم الطبية تحركت تحت النار لنقل هؤلاء الاطفال إلى مكان أكثر أمنا ولكن بدون حاضنات وكان الجو باردا. قمنا بلف الأطفال بالقصدير والبطانيات حتى نحافظ على حرارتهم. أوقات عصيبة. كنا نصارع الزمن للحفاظ على حياتهم"، يروي أبو سلمية.
ويتابع: "تمت العملية ونقلنا الأطفال ولكن خسرنا 10 منهم، وبعد أسبوع أجلي هؤلاء الأطفال إلى جمهورية مصر العربية"، معبرا عن شكره للطواقم الطبية في غزة التي خاطرت بحياتها لإنقاذ أطفال لا حول لهم ولا قوة.
لكن الأزمات الناجمة عن الحصار لا تزال مستمرة. وأمام ذلك، يناشد حرارة، توفير العدد الكافي من الحاضنات نظرا للازدحام في عدد حالات الخدج خصوصا مع معاناة الأمهات من سوء التغذية، وكذلك إدخال الإمدادات الطبية والعلاجية، لاسيما مادة (السرفكتانت) وأجهزة التنفس الصناعي المخصصة لهذه الفئة من الأطفال، وأجهزة التصوير بالأشعة.
وإلى أن ينكسر الحصار الإسرائيلي المزمن، يبقى الخدج في مواجهة خطر الموت ويبدأون أيامهم الأولى بمعركة أكبر من حجمهم في غزة.