يصادف التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يحمل معنى خاصاً لأنه اليوم الذي تتوقف فيه الشعوب- ولو رمزياً- لتقول إنها ترى الوجع الفلسطيني وتسمعه وتدرك جذوره الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود.
وكانت الأمم المتحدة أقرّت اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني عام 1977 ليكون تذكيراً بالظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني وبحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه. هذا اليوم المرتبط بذكرى قرار التقسيم 181 الصادر عام 1947 تحوّل منذ ذلك الحين إلى مناسبة عالمية لإبراز معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال والتأكيد على مركزية حقوقهم غير القابلة للتصرف.
هذا العام، يأتي اليوم العالمي للتضامن في ظل واحدة من أحلك المراحل التي يمر بها الفلسطينيون، بعد حرب إبادة ودمار واسع في قطاع غزة استمرت لعامين، إضافة إلى تصاعد الاقتحامات والاعتداءات في الضفة الغربية. لكن ورغم كل هذا العنف، يبرز صوت الفلسطينيين من جديد، مطالباً العالم بتجاوز مرحلة البيانات والانتقال إلى الفعل.
رئيس الهيئة التنفيذية للحراك الوطني الفلسطيني، خالد عبد المجيد، يرى أن هذا اليوم ليس مناسبة احتفالية، بل محطة تعبئة وطنية. يقول إن الاحتلال، رغم الحرب الطويلة والعمليات العسكرية والدمار الهائل الذي خلّفه، "فشل ولم يستطع تحقيق أهدافه خلال السنتين الماضيتين".
ويؤكد عبد المجيد لصحيفة "فلسطين"، أن المقاومة وصمود الفلسطينيين وحجم التضحيات قلبت المعادلات وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي.
ويشدد على أنّ القضية الفلسطينية أصبحت اليوم "القضية الأولى في الحضور والاهتمام الدولي"، ليس فقط بسبب حجم المأساة، بل بفضل النضال الشعبي والمقاومة في غزة، والدعم الشعبي العالمي المتنامي خلال سنوات الحرب.
ويضيف أن هذا اليوم يجب أن يكون منطلقاً لمرحلة جديدة من الوحدة والعمل المشترك، داعياً الفلسطينيين في الوطن والشتات إلى الانخراط في تعزيز الوحدة الوطنية وتجديد مسارات النضال.
كما دعا إلى تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة التي تكون المرجعية الوطنية والنضالية العليا لشعبنا وتعمل على تطوير المقاومة والتصدي للمشاريع التصفوية، بعيدا عن سياسات المساومة والتسويات المشبوهة ومحاولات إعادة إنتاج مسارات سياسية تحت الرعاية الأميركية أو العربية المطبّعة.
ويشير عبد المجيد إلى أن ما يسمى بـ"مجلس السلام"، وخطط إعادة طرح "صفقة ترامب"، ومحاولات فرض وقائع جديدة في غزة والضفة وشطب حق العودة وتجاوز قضية القدس، كلها محاولات أميركية–إسرائيلية هدفها تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول قسرية لا تستند لحقوق الشعب الفلسطيني ولا للقانون الدولي.
أما عضو اللجنة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، مازن قمصية، فيقدّم رؤية نقدية لمشهد التضامن العالمي. فهو يميّز بين "التضامن الشعبي الحقيقي" الذي يتجلى في المظاهرات، والإضرابات، وحركة المقاطعة BDS، وبين "التضامن الشكلي" الذي يردده القادة والحكومات وبعض القيادات الفلسطينية بلا خطوات على الأرض.
ويؤكد قمصية لـ "فلسطين"، ضرورة تحويل الأقوال إلى وقائع فعلية على الأرض، من خلال تكثيف الردع والضغط وقطع الدعم الأوروبي والأمريكي والغربي لدولة الاحتلال بصورة عامة.
ويشير إلى أن التضامن الشعبي ينمو بشكل واضح، كما حدث في إيطاليا وإسبانيا، من خلال الإضرابات الكبرى التي أثّرت على قرارات حكومية. أما الحكومات، فيظل كثير منها "تحت هيمنة الخوف من الصهيونية"، وهذا يشمل حكومات عربية وفلسطينية أيضاً.
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني هو "من أكثر الشعوب مظلومية في العالم"، وأن المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأرض والوجود الفلسطيني مستمر منذ أكثر من مئة عام. لذلك يعتبر أن الاستسلام ليس خياراً، وأن المقاومة—بمختلف أشكالها—حق مشروع وفق المعايير الدولية والإنسانية.
تحوّل عالمي بطيء
ويتطرق قمصية إلى تحولات ملحوظة داخل المجتمعات الغربية، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث بدأ الرأي العام يتغير، وخصوصاً بين الشباب. يقول إن "هناك أغلبية في أميركا باتت ضد الدعم غير المحدود لـ (إسرائيل)"، وهو تحول يحتاج إلى تسريع عبر الضغط الشعبي وسحب الاستثمارات والمقاطعة.
ويضيف: "مرّ 78 عاماً على النكبة، وما زالت فكرة التضامن بحاجة لوقت لتكتمل… لكن العمل أهم من الأقوال".
ويتفق عبد المجيد وقمصية على أن التضامن الحقيقي لا يُقاس بالبيانات ولا بالاحتفالات، بل بترجمة المواقف إلى ضغط سياسي واقتصادي وقانوني على الاحتلال.
وفي يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، يبرز سؤال محوري: هل سيظل العالم متمسّكاً بإحياء المناسبة رمزياً، أم سيحوّل التضامن إلى فعل يوقف الحرب، ويضمن العدالة، ويدعم حق الفلسطينيين في الحرية والعودة والاستقلال؟
إن الفلسطينيين اليوم—وسط حرب طويلة وجرح مفتوح—لا ينتظرون التعاطف فقط، بل ينتظرون فعلاً عالمياً حقيقياً يوازي حجم معاناتهم وتضحياتهم، ويعيد لهم بعضاً من الأمل في مستقبل عادل تستحقه الشعوب الحرة.