حذّرت الدكتورة مها كحيل، مسؤولة الصيدلة في مستشفى العيون بمدينة غزة، من أزمة دوائية «غير مسبوقة» تهدّد حياة المرضى وبصر الآلاف، مؤكدة أن نحو 40% من الأدوية الأساسية الخاصة بأمراض العيون غير متوفرة تمامًا في مخازن وزارة الصحة، وأن معظمها لا يملك أي بدائل علاجية داخل القطاع المحاصر.
وقالت كحيل إن طبيعة الأدوية والمستلزمات الخاصة بطب وجراحة العيون تختلف كثيرًا عن باقي التخصصات الطبية، إذ تُعد الأعلى تكلفة والأقل توفرًا، ما يجعل النقص الحالي «بالغ الخطورة».
وأوضحت أن المستشفى يواجه أزمة خانقة في المستهلكات الأساسية لعمليات المياه البيضاء، مثل خيوط الجراحة Nylon 10/0 ومواد Heleon auf، إضافة إلى العدسات بجميع المقاسات، مشيرة إلى أن الكميات المتوفرة «لا تكفي لأكثر من شهر واحد فقط» في أفضل الأحوال.
وبيّنت أن عددًا من الأدوية الحيوية سجّل نفادًا حادًا، من بينها مراهم Zoverax eye ointment، وقطرات Oflox، وCyclopentolate drops، وMaxitrol eye ointment، فضلًا عن الأدوية الأساسية لعلاج ضغط العين مثل Trusopt eye drop، وCosopt، وAlphagan، وXalatan، إضافة إلى بعض أنواع Diamox، وحقن Avastin الضرورية لعلاج أمراض الشبكية.
وأكدت أن خطورة النقص ظهرت جليًا من خلال حالات فقدان البصر، حيث فقد نحو 100 مريض يعانون من ارتفاع ضغط العين القدرة على الرؤية في إحدى العينين، فيما فقد آخرون بصرهم بالكامل نتيجة عدم توفر أدويتهم الأساسية.
وأضافت أن مرضى الالتهابات الفيروسية في العين يتعرّضون لمضاعفات خطيرة بسبب غياب العلاج، مشيرة إلى أن المستشفى يستقبل يوميًا نحو 50 مريضًا يحتاجون إلى هذه الأدوية بصورة عاجلة، في حين لا يكفي المخزون المتبقي إلا لأعداد محدودة جدًا.
وأوضحت كحيل أن مرضى المياه البيضاء وأمراض الشبكية هم الأكثر تضررًا، مبينة أن أكثر من 2000 مريض مسجّلون على قوائم الانتظار لإجراء عمليات إزالة المياه البيضاء، إلا أن التدخلات الجراحية تقتصر على الحالات الطارئة فقط، فيما تُؤجّل العمليات غير العاجلة إلى أجل غير مسمّى بسبب نفاد الأدوية وخيوط الجراحة والعدسات.
وأضافت أن رصيد أدوية ضغط العين «وصل إلى الصفر فعليًا»، ما يعكس حجم الكارثة الصحية المتفاقمة.
وأشارت كذلك إلى أن الحرب المستمرة أدّت إلى توقف عمليات زراعة القرنيات، رغم النجاحات التي حققها المستشفى قبل الحرب، موضحة أن غياب المعدات الأساسية الخاصة بجراحات القرنية جعل مواصلة هذا النوع من العمليات أمرًا مستحيلاً.
وفي السياق ذاته، ذكرت كحيل أن مرضى السكري الذين يعانون من نمو غير طبيعي في الأوعية الدموية المؤدية إلى نزيف في شبكية العين كانوا يتلقون حقن Avastin لوقف هذا النمو، إلا أن أكثر من 400 حالة أُدرجت حاليًا على قوائم الانتظار بسبب النفاد التام لهذه الحقن.
وأكدت أن الطواقم الطبية تعمل وفق سياسة «الأولوية للحالات الأشد خطورة» في ظل شحّ ما تبقى من مخزون.
وبسبب حدة الأزمة، أوضحت كحيل أن المستشفى يتبع سياسة «ترشيد قاسية» للأدوية المتوفرة، من خلال تحويل بعض العلاجات من الحقن إلى الأقراص، وتقسيم عبوات القطرات إلى عبوات أصغر لتغطية أكبر عدد ممكن من المرضى، مع خفض الجرعات في بعض الحالات بما لا يعرّض المرضى للخطر، وذلك لضمان استمرار تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
وشددت على ضرورة التدخل العاجل لتوفير مستلزمات جراحات العيون، وأدوية الشبكية، وأدوية ضغط العين، محذّرة من أن استمرار الأزمة على هذا النحو سيقود إلى «كارثة صحية لا يمكن احتواؤها»، خصوصًا أن المستشفى يعمل حاليًا بمعدل يفوق طاقته المعتادة بنحو خمسة أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل الحرب، في ظل تزايد أعداد الإصابات والحالات الطارئة.