- الاحتلال يُدخل سولار للمستشفيات بـ "القطّارة"
- تم تدمير 12 محطة أكسجين بالكامل خلال الحرب
رغم مرور أكثر من شهر على دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيّز التنفيذ في قطاع غزة، إلا المنظومة الصحية لا تزال تشهد تدهوراً غير مسبوق، إذ تكشف وزارة الصحة عن انهيار شبه كامل في منظومة الطاقة داخل المستشفيات والمرافق الطبية، ما يهدد قدرة هذه المؤسسات على تقديم الحد الأدنى من الخدمات المنقذة للحياة.
وفي هذا السياق، يؤكد الوكيل المساعد لقطاع الهندسة والانشاءات والتجهيزات الطبية في وزارة الصحة المهندس بسام الحمادين أن النظام الصحي يعمل الآن في "ظروف كارثية وحرجة للغاية"، في أعقاب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للطاقة خلال حرب الإبادة الجماعية.
يقول الحمادين في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين"، إن الأزمة بدأت منذ الأيام الأولى للحرب حين دُمّرت شركة الكهرباء، ما أدّى لفقدان المستشفيات مصدرها الأساسي من الطاقة، مشيراً إلى أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل استهدف الاحتلال بشكل مباشر مرافق طبية رئيسية، ما تسبب بتدمير منظومات الكهرباء الداخلية واحتراق مكونات كاملة كما حدث في مستشفى الإندونيسي، كمال عدوان، الرنتيسي، العيون، وعدد كبير من مراكز الرعاية الأولية.
ويضيف: "تم حرق منظومات كهرباء بالكامل، وتدمير خزانات السولار التي تغذي المولدات، وتحطيم الألواح الشمسية والبطاريات، إضافة إلى اقتحام الدبابات لمستشفيات مثل الرنتيسي والعيون، ما أدى إلى تدمير كامل أو جزئي للبنية الكهربائية".
وأوضح أن البطاريات التي لم يتم تدميرها "منتهية الصلاحية"، وأن المنظومة الكهربائية في وزارة الصحة تعاني من نقص شديد، سواء في المولدات أو أنظمة الطاقة الشمسية أو وسائل الحماية الكهربائية.
وقبل اندلاع حرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023، كانت وزارة الصحة تمتلك 120 مولداً كهربائياً موزعة على المستشفيات والمراكز الصحية، لكّن الحرب دمّرت عدداً كبيراً منها خاصة المولدات الكبيرة.
ويؤكد الحمادين أن أكثر من 50% من منظومة المولدات لم تعد موجودة الآن، وأن الجزء الأكبر من المولدات المدمرة كان من الفئات الكبيرة ذات القدرات العالية، وهي مولدات مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات المستشفيات ولا يمكن توفير بدائل لها من السوق المحلي.
ويتابع: "استطعنا تعويض بعض المولدات الصغيرة فقط عبر جهات مانحة، أما المولدات المتوسطة والكبيرة فهي غير متوفرة، ولا يمكن استبدالها. وبعض المستشفيات تعمل بمولد واحد فقط، دون أي بديل احتياطي، وهذا يعني أنه إذا تعطّل المولد تتوقف المستشفى بالكامل".
كميات بالقطارة
ورغم دخول اتفاق التهدئة حيّز التنفيذ، لم تتحسن أوضاع الوقود داخل المستشفيات، إذ يتم – بحسب الحمادين – تزويد المرافق الصحية بالحد الأدنى فقط من خلال منظمة الصحة العالمية.
ويبيّن أن معظم المستشفيات تمتلك كمية سولار "تكفي ليوم أو يومين فقط"، ما يضع وزارة الصحة في حالة متابعة وضغط مستمر. ويقدّر الحمادين حاجة مستشفيات القطاع اليومية من السولار بـ 20 – 24 ألف لتر يوميًا.
لكن الاحتلال – كما يقول – "يُدخل السولار بالقطارة"، ولا يسمح بتخزين كميات تكفي لفترة أطول، مما يجعل العمل الصحي عرضة للانهيار في أي لحظة.
وفي سياق متصل، يشير الحمادين إلى أن واحدة من أخطر المشكلات التي تعانيها المرافق الصحية الآن هي غياب قطع الغيار والفلاتر والزيوت اللازمة لصيانة المولدات، إضافة إلى عدم السماح بدخول بطاريات جديدة.
ويؤكد أن هذا ملف مؤلم جدًا، فالمولدات في وزارة الصحة كبيرة الحجم ومصممة خصيصًا للاستخدام الصحي، والبحث عن قطع غيار لها أمر شبه مستحيل اليوم، منبهاً إلى أن الاحتلال يمنع إدخال المولدات وقطع الغيار منذ بداية الحرب، وحتى بعد التهدئة لم يدخل أي شيء تقريبًا.
ويوضح أن بعض الزيوت دخلت حديثًا بكميات محدودة جدًا، لكنها غير كافية، وأن استمرار تشغيل المولدات دون صيانة يعجّل بتعطّلها وخروجها عن الخدمة.
تدمير محطات الاكسجين
منظومة الأكسجين – التي تعد القلب النابض لغرف العمليات والعناية المركزة وحضانات الأطفال – تعرضت بدورها لدمار كبير. فقد تم تدمير 12 محطة أكسجين بالكامل، في حين تعمل المستشفيات الآن بمحطات محدودة ومتهالكة.
ويقول الحمادين: "تواصلنا مع عدة جهات مانحة لشراء محطات جديدة، لكن الاحتلال يرفض منح الموافقة اللازمة لإدخالها. تمكّنا من صيانة 3 أو 4 محطات فقط، بينما النقص ما زال هائلًا، خصوصًا أن أقسام العناية تحتاج الأكسجين على مدار الساعة".
ويكشف أن وزارة الصحة أرسلت احتياجاتها لتشغيل محطات الأكسجين قبل أكثر من عام ونصف، وأن هناك معدات موجودة في الضفة الغربية منذ شهور، لكن الاحتلال لا يزال يمنع دخولها إلى قطاع غزة.
ويحذّر من أن الخدمات الصحية الأساسية مهددة بالتوقف بأي لحظة. نعمل على حافة الانهيار، وأي عطل جديد قد يؤدي إلى كارثة إنسانية".
ويختتم الحمادين حديثه بالتأكيد أن المستشفيات تعمل اليوم بأقل من الحد الأدنى الممكن، في ظل غياب منظومة كهرباء آمنة، وندرة الوقود، ونقص المولدات، ومنع دخول قطع الغيار والزيوت والبطاريات ومحطات الأكسجين.
هذا الواقع يضع القطاع الصحي في غزة أمام مرحلة هي الأخطر منذ بداية الحرب، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات الطبية، فيما تتقلص قدرة النظام الصحي على الصمود يومًا بعد يوم.