لاقت تصريحات الفائز بمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني، داخل البيت الأبيض أمام الرئيس دونالد ترامب، إعجابا عربيا وفلسطينيا إثر انتقاده لـ"إسرائيل" التي ترتكب إبادة جماعية في غزة على مدى أكثر من عاميين.
والعمدة الجديد الذي سيتولى منصبه رسميا يناير/ كانون ثان 2026م، أضحى أول ضيف زائر للمكتب البيضاوي، ينتقد التمويل الأمريكي للإبادة الجماعية في غزة التي خلفت حتى اللحظة أزيد عن 69,733 شهيدا و170,863 إصابة منذ أكتوبر 2023م وحتى اللحظة.
ومنذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني هذا العام، استقبل الساكن الجديد للبيت الأبيض 30 زعيما ومسؤولا عالميا بارزا بينما استقبل نظيره السابق جو بايدن خلال ولايته الرئاسية أقل من 20 زعيما ومسؤولا، لم يصف أي منهم "إسرائيل" بأنها ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وجاءت إجابة ممداني دفاعا عن نفسه في مواجهة سؤال متحيز، عندما سأله صحافي: "أنت اتهمت الحكومة الأميركية بارتكاب إبادة جماعية في غزة، بينما كان الرئيس يعمل على اتفاق السلام، لماذا؟"، فردّ ممداني قائلا: "لقد تحدّثتُ عن الحكومة الإسرائيلية التي ترتكب إبادة جماعية وعن حكومتنا التي تموّلها، وشاركت الرئيس في لقائنا قلق الكثير من سكان نيويورك، ورغبتهم في أن تذهب دولارات ضرائبهم لمصلحة سكان نيويورك".
وتعليقا على ذلك، كتب الدبلوماسي والسياسي المصري د. محمد البرادعي: "عندما يتكلم زهران ممداني في لقائه مع ترامب داخل البيت الأبيض علنا وبكل وضوح وشجاعة عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" فإنك لا تتمالك إلا أن تحترم مصداقيته ونزاهته!".
ومعجبا بشخصيته، وصفه البرادعي بأنه "مثالا للإنسان الذي يعتز بجوهر عقيدته في الدفاع عن القيم الإنسانية أيا كان الثمن".
وغرد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. خليل العناني، قائلا: "ممداني فعل ما لم يجرؤ عليه أي سياسي عربي أو غربي وهو واقف في قلب البيت الأبيض وأمام ترامب، قال بوضوح: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بتمويل أمريكي، قالها بثقة ودون تلعثم ودون خوف أو حسابات وأمام مرأى ومسمع العالم كله".
وبتقديرات العناني: "لو لم يفعل في مسيرته السياسية سوى هذا الموقف لكفاه شرفا وتاريخا!.. طوبى لغزة وأهلها الذين حرروا العالم من قبضة الخوف من الصهيونية".
وبحسب استطلاعات الرأي الأمريكية فإن موقف ممداني من الحرب الإسرائيلية على غزة كان له صدى لدى غالبية ناخبي نيويورك، إذ كان مناصرا للفلسطينيين منذ اليوم الأول للحرب.
وشارك في بعض الاحتجاجات الأمريكية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقاد تظاهرة خارج البيت الأبيض للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية.
""إسرائيل" ارتكبت إبادة جماعية بتمويل من حكومتنا.. لا يمكن استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في تمويل الإبادة الجماعية في غزة"، هكذا اقتبس الأردني د. طه الزبون تصريحات عمدة نيويورك للتعليق عليها: "موقف يسجل.. وحبذا لو وقفت الأنظمة العربية أمام هذا المجرم (ترامب) نفس الموقف".
وبكلمات ساخرة، تعجب التونسي محمد حميد من تصريحات ممداني، قائلا: "لا أعلم إن كان سياسي غربي مسلم هندوسي مسيحي شرقي شمالي آسيوي، تحدث بهذا الكلام علنا وداخل البيت الأبيض".
ورأي أن ممداني وقف أمام "الرئيس الأمريكي المهاب من قبل حكام العالم، وقال له: أوقف دفع الأموال الأمريكية لـ"إسرائيل"".
ويرى مراقبون سياسيون أن فوز ممداني – في المدينة الأكثر جذبا لليهود في العالم – انعكاس جزئي لكيفية تغير المواقف العالمية تجاه "إسرائيل" خلال عامين من الإبادة الجماعية، خاصة بين الناخبين الأصغر سنا ولا سيما أنه فاز بأغلبية ساحقة في الفئة العمرية التي تقل عن 45 عاما.
ونشر الناشط المغربي أحمد جاكوم صورة ممداني داخل البيت الأبيض، وكتب عليها: "الشجاعة لو كانت رَجُلاً".
وفي تعليقه على الزيارة، اعتبر الكاتب والصحفي ياسر الزعاترة تمسك ممداني بمواقفه وتأكيد قناعاته أمام "أزعر واشنطن" شكّل درسا مهما للأنظمة العربية والإسلامية التي أظهرت مؤخرا حالة غير مسبوقة من الخوف من غطرسة ترامب.
أما الجزائري صالح رويبح فوصف ذلك: "تصريح خطير غير مسبوق في التاريخ!"، وهذا ما دفع الكاتب الفلسطيني د. وليد الهودلي للتساؤل: "من أين أتى هذا الرجل؟ يدِبّ الرعب في أوصال بني صهيون وكل المتصهينين، ويُنذر بتحوّل عظيمٍ له ما بعده".
وكتب: "دول وزعامات عربية ومسلمة لم تجرؤ على أن تقولها هناك، في بيت العُهر السياسي والاستكبار العالمي.. ممداني قالها أمام ترامب".
وممداني مرشح الحزب الديمقراطي، حقق فوزا تاريخيا في انتخابات عمدة مدينة نيويورك التي جرت هذا الشهر، ليصبح بذلك أول مسلم وأصغر من يتولى هذا المنصب منذ أكثر من قرن.
ولم تعلق حكومة الاحتلال رسميا على انتخاب ممداني، إلا أن فوزه أثار ردود فعل عنيفة من سياسيين يمينيين إلى جانب دعوات لتهجير الجالية اليهودية في نيويورك إلى "إسرائيل".
وأعرب السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة جلعاد إردان، عن أسفه لفوز ممداني وكتب في تدوينة على منصة "إكس" أنه "كارها لـ"إسرائيل"، ينظر إلينا كدولة إبادة جماعية تمارس الفصل العنصري، يقود الآن أهم مدينة في العالم، موطنا لأكبر عدد من السكان اليهود خارج "إسرائيل"".
وحذر من أن "ما حدث في نيويورك قد يحدث قريبا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك في الكونغرس وحتى البيت الأبيض".
وخلال ذات اللقاء في البيت الأبيض، لم ينف ممداني تصريحاته السابقة التي تعهد فيها باعتقال نتنياهو فور دخوله أراضي نيويورك، لكن ترامب قال صراحة: "لم نناقش وعده باعتقال نتنياهو"، في إشارة إلى الحساسية السياسية للموضوع.
وأكد ممداني أن الإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية في غزة "لا يمكن السكوت عنها"، مشددا على أن الولايات المتحدة شريك في هذه الجرائم طالما تستمر في تمويلها عسكريا وماليا.

