كانت الساعة تقترب من السادسة صباحا عندما بدأت خيمة عائلة أبو رامي عليان في حي الرمال الغربي تنهار تحت وقع المطر. في البداية كانت قطرات متناثرة تتسرب من سقف خيمته الممزّق، لكن بعد دقائق تحوّل كل شيء إلى سيلٍ يغزو المكان بلا رحمة.
يقول أبو رامي لصحيفة "فلسطين"، وهو يحمل فراشًا مبتلًا بين يديه: "لم أكن أعرف من أين أبدأ؛ المياه كانت تدخل من كل الجهات، وأطفالي يرتجفون من البرد. شعرت أن الخيمة أصبحت مثل قارب يغرق بنا".
زوجته، أم رامي، تقف قرب حفرة كبيرة امتلأت بالطين أمام الخيمة، تمسح وجه ابنتها الصغيرة وتقول: "هذه المطرة لن أنساها ما حييت. أمطرت السماء فوق رؤوسنا وكأننا بلا مأوى. ظللنا نرفع الأغطية عن المياه لننقذ ما يمكن إنقاذه".
مع اشتداد المطر، حاول الجيران سد الفتحات بأكياس دقيق فارغة وقطع نايلون. لكن الأرض كانت قد ابتلعت أقدامهم. المياه تسللت إلى أواني الطعام، إلى الكتب المدرسية، إلى علب الدواء، وحتى إلى المدفأة الصغيرة التي كانوا يعتمدون عليها.
يصف أبو رامي اللحظات قائلاً: "رأيت ابني الأصغر يصرخ ويقول: بابا، الخيمة بتوقع! شعرت بالعجز. نحن نعيش في خيمة من 8 أشهر، لكن هذه أول مرة أشعر أننا نواجه الموت بسبب المطر".
مع الفجر، كانت الخيمة قد غرقت بالكامل تقريباً. اضطرّت الأسرة للانتقال إلى خيمة مجاورة رغم اكتظاظها. وبينما يجففون ما تبقى من متاعهم في الشمس، تقول أم رامي بصوت مخنوق: "نريد فقط مكانا يحمي أطفالنا… ليس أكثر".
"آخر ما تبقّى من البيت"
في مخيم الشاطئ غرب غزة، كانت أم يوسف التلمس تراقب مياه الأمطار وهي تجرف بقايا أغراض كانت قد نجت من قصف منزلها قبل عام. الحقيبة المدرسية لابنتها، بطانية قديمة، وبعض الملابس كلها اختفت تحت الطين في دقائق.
تقول أم يوسف لصحيفة "فلسطين": "لقد أغرقت مياه الأمطار كل شيء داخل الخيمة. حاولنا قبل ليلة أن نقوي خيمتنا ووضعنا شادر جديد، لكن للأسف المياه تسللت الينا".
الخيمة التي تقطنها مع أسرتها المكوّنة من سبعة أفراد لم تتحمل حجم الأمطار. المياه اخترقت السقف، وانسكبت فوق الفرش والأغطية، ثم خرجت من الجهة الأخرى كأن الخيمة “غربال”.
تضيف أم يوسف بحسرة: "كنا نعيش في بيوتنا معززين مكرمين، لكن الاحتلال عدم منازلنا واحيائنا السكنية في جريمة شاهدها العالم بأسره. الان أصبحنا نعيش في الشوارع كالمتشردين".
يوسف، الابن الأكبر، يصف المشهد: "كنا نائمين، وفجأة صحينا على صراخ أمي. المياه كانت فوقنا. حاولت أرفع أخوتي الصغار على الطاولة الخشب، بس الطاولة نفسها غرقت".
مع انقشاع غيمة الأمطار، تجمّع عشرات النازحين حول المستنقعات التي تشكلت بفعل المياه الغزيرة. الأطفال كانوا يبحثون عن ملابسهم في الطين، والنساء يحاولن إنقاذ ما تبقى من الطعام.
تقول أم يوسف وهي ترفع يدها إلى السماء: "لم نعد نحتمل. المطر كشف هشاشتنا، كشف أننا نعيش في أماكن لا تليق بالبشر. نحن لا نطلب بيوتا فخمة… فقط مأوى لا يغرق".
وتضيف بصوت مبحوح: "كل ليلة نموت بطريقة… مرة بسبب الحرب، ومرة بسبب البرد، واليوم بسبب المطر".
ورغم محاولات الجيران لمساعدتهم في إصلاح الخيمة، بقيت الأرضية موحلة، والمطر ينهمر بغزارة، فيما تقول أم يوسف أخيراً: "أريد أن ينام أولادي ليلة واحدة دون خوف".