قائمة الموقع

حذف "يوتيوب" ثلاث قنوات حقوقيَّة... هيمنة أمريكيَّة وقمع لتوثيق الإبادة

2025-11-09T15:12:00+02:00
صورة تعبيرية
فلسطين أون لاين

في مشهدٍ يعكس امتداد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية إلى الفضاء الرقمي، أقدمت منصة "يوتيوب" على حذف القنوات الرسمية لثلاث من أبرز المؤسسات الحقوقية الفلسطينية: مؤسسة الحق، ومركز الميزان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بدعوى خرق "السياسات"، في حين كانت تلك القنوات توثّق الانتهاكات وجرائم الحرب في قطاع غزة.

الخطوة التي جاءت في أعقاب فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المؤسسات الثلاث، أثارت تساؤلات عميقة بشأن حياد شركات التكنولوجيا العملاقة ودورها في تقييد حرية التعبير، ومحاولة طمس الأدلة الرقمية التي توثّق الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، في وقتٍ تزداد فيه مساعي هذه المؤسسات لملاحقة مجرمي الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ويرى حقوقيون في أحاديث منفصلة لصحيفة "فلسطين"، أن حذف القنوات لم يكن مجرد قرار تقني صادر عن شركة تكنولوجية، بل خطوة سياسية تهدف إلى طمس الأدلة الرقمية على الجرائم في غزة، في وقت تتعرض فيه (إسرائيل) لتحقيقات دولية محتملة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

مدير عام مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين يرى أن حذف القنوات ليس حادثًا تقنيًا معزولًا، بل "حلقة من حلقات السيطرة والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية الممتدة على كلّ الجوانب السياسية والاقتصادية والتكنولوجية"، مشيراً إلى أن المنصات الرقمية الكبرى لم تعد مهنية ولا موضوعية، بل تُدار وفق أجندات سياسية تخدم مصالح قوى النفوذ.

وأوضح جبارين أن العقوبات الأمريكية المفروضة على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية جاءت كوسيلة لـ"منع الصوت الفلسطيني، وإسكات رواية الضحايا"، مؤكدًا أن ما حدث جزء من "الإبادة بطريقة أخرى، عبر تكميم الأفواه ومحاولة محو الأدلة البصرية التي توثق الجرائم اليومية في غزة".

ولم تُتح لمؤسسة الحق أي فرصة للطعن أو الرد قبل حذف قناتها، رغم كونها — كما يقول — "شريكًا في خدمات يوتيوب ومدفوعة الأجر"، وهو ما يُظهر بحسبه "ازدواجية المعايير والتعامل غير الأخلاقي من الشركات الأمريكية".

ورغم خسارة القنوات والمنصات الرقمية، يؤكد شعوان جبارين أن مؤسسته لم تفقد أي محتوى مصوّر: "كل الفيديوهات محفوظة بنُسخ احتياطية، وقد أعددنا منذ فترة خطة بديلة تضمن استمرار نشر المواد عبر منصات أخرى غير خاضعة للهيمنة الأمريكية، مثل منصات أوروبية وآسيوية".

ويضيف: "الدرس الأهم لكل من يعمل في مجال العدالة والحقوق ألا يضع البيض في سلة واحدة، وأن يُنوع أدواته التقنية والإعلامية بعيدًا عن التكنولوجيا الأمريكية التي تُستخدم أحيانًا كأداة قمع".

ويحذّر جبارين من أن "التكنولوجيا تُستخدم اليوم كسلاح ناعم لتشويه الحقيقة، وحجب جرائم الحرب، وتزييف الوعي العالمي"، لكنه يشدد على أن "الخطاب الحقوقي الفلسطيني سيظل ثابتًا وواضحًا وغير متلعثم"، داعيًا إلى استمرار التوثيق والتخزين الآمن لكل الأدلة البصرية، رغم محدودية الإمكانيات.

من جانبه، عدّ نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت، أن الخطوة جاءت "في سياق متصل من محاربة المحتوى الفلسطيني"، لكنها في الوقت ذاته استجابة مباشرة للعقوبات الأمريكية التي طالت المركز وعدة مؤسسات شريكة.

وقال زقوت: "لم يُحذف حسابنا على يوتيوب فقط، بل طالت العقوبات كل حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى موقعنا الإلكتروني اضطررنا لنقله إلى خادمٍ آخر غير أمريكي". كما أُغلقت حسابات المركز المالية لأن "البنوك الفلسطينية وسيطها أمريكا، وبالتالي أُجبرت على التنفيذ خوفًا من العقوبات".

ويُرجع زقوت هذه الإجراءات إلى الدور الذي لعبته المؤسسات الثلاث — الميزان والحق والمركز الفلسطيني — في تقديم ملفات موثقة إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جريمة الابادة الإسرائيلية في غزة، مضيفاً "هذه العقوبات جاءت عقابًا لنا لأننا استخدمنا أدوات القانون الدولي لملاحقة المجرمين، دون أي عنف أو تحريض".

وتابع إن "الولايات المتحدة، التي تزعم الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، تُمارس العكس تمامًا حين يتعلق الأمر بفلسطين"، معتبرًا أنها "شريك أساسي في الإبادة الجماعية الجارية في غزة"، وأن العقوبات على المحكمة والمؤسسات تمثل "خطوة استباقية لترهيب المحكمة الجنائية الدولية ومنعها من اتخاذ أي قرارات قد تطال مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين".

وختم حديثه "من الصعب على أي طرف قائم أن يحمي هذه المؤسسات وليس أمام هذه المؤسسات الا البحث عن بدائل لمواصلة العمل، لأنه من المستحيل أن نتوقف عن العمل ومن المستحيل أن يتم ترهيبنا ونخضع، لذلك علينا ان نبحث عن طرق ووسائل أخرى للمحافظة على هذا النوع من العمل".

وبينما تُغلق المنصات أبوابها في وجه الرواية الفلسطينية، يواصل الحقوقيون في غزة توثيق الكارثة بوسائلهم البسيطة، مؤمنين أن الصورة الحقيقية ستظل شاهدةً على الإبادة، وجزءًا من الذاكرة الإنسانية التي لا يمكن حذفها بضغطة زر.

اخبار ذات صلة