فلسطين أون لاين

الأطر الحربية في تركيا: الصناعات العسكرية وأثرها على موازين القوى الإقليمية

اتبعت تركيا خطةً استراتيجيةً في تطوير سياستها الدفاعية خلال العقدين الأخيرين، وتمثل ذلك في تبني نهج الاكتفاء الذاتي العسكري من خلال بناء منظومات دفاعية متطورة أظهرت تركيا كأحد الدول الصاعدة في مجال التصنيع الحربي، خصوصًا في ظلّ ضعف وهج دول الشرق الأوسط في ذلك المجال.

حيث جاءت تلك السياسة مع قدوم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، بهدف تعزيز الاستقلال الاستراتيجي المعتمد على تقليص الاعتماد على الغرب في التسلح واستقلالية القرار التركي في السلم والحرب، خصوصًا بعد التوترات التي عاشتها تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ورفض الأخير انضمام تركيا له.

أولًا: المؤسسات العسكرية والتقنية التركية:

في إطار ذلك عملت تركيا على تقسيم جهدها على مؤسسات تقنية للتصنيع العسكري التركي، حيث امتلكت تحت رئاسة الصناعات الدفاعية SSB الشركات التالية:

1. شركة أسيلسان (ASELSAN) المتخصصة في الإلكترونيات العسكرية.

2. شركة روكيتسان (ROKETSAN) في الصواريخ.

3. شركة هافلسان (HAVELSAN) في البرمجيات وأنظمة القيادة والسيطرة.

4. شركة بي إم سي (BMC) المسؤولة عن صناعة العربات المدرعة والدبابات.

ليؤدي ذلك التكامل الصناعي لتطوير مشاريع ضخمة تنافش المنتجات العسكرية الغربية مثل:

• الدبابة ألتاي: حيث تعتبر أول دبابة قتال رئيسية مصنعة محليًا بتكنولوجيا تركية متقدمة، حيث تجمع بين كثافة النيران وأنظمة الحماية النشط، والقدرة على العمل والتكيف في بيئات قتالية متنوعة.

• الصواريخ الباليستية تايفون: حيث اعتبر نقطة تحول في موازين القوى، وقد ظهر خلال العام 2022 مما أثار اهتمام العديد من الدول، حيث يصل مداها الى نحو 561 كيلو مترًا، فيما صرح الرئيس أردوغان حول ذلك: "لا نجد 561 كم كافية ...  سنصل ل 1000 كم"، ما أثار اهتمامًا دوليًا واسعًا، حيث تعتبر الصواريخ قادرة على تهديد أهداف بعيدة في البحر المتوسط والبحر الأسود والشرق الأوسط.

كما كشفت تركيا بتصريحٍ رسمي من وزير الصناعة التركي محمد فاتح كتشير عن امتلاكها لبرنامج صاروخي بمدى 2000 كم، حيث إن تركيا في موقع يغير قواعد اللعبة، ليكون ذلك البرنامج هو صاروخ جنك 2000+ الباليستي القادر على ضرب قاري وليس اقليمي، ما يغير من معادلات التوازن العالمية.

• برامج تطوير الطائرات المسيّرة مثل بيرقدار وأقنجي، والتي يعتمد عليها بشكل أساسي في الحروب الحديثة، وقد أثبتت الطائرات المسيرة التركية فعاليتها في ميادين عدة مثل ليبيا وسوريا وأذربيجان وأوكرانيا.

وتهدف تركيا لخفض اعتمادها على الخارج في الدفاع لأقل من 10% بحلول العام 2030.

ثانيًا: الأبعاد الجيوسياسية لتطور الصناعات الحربية التركية:

يمثل التقدم الصناعي العسكري التركي نقلة نوعية في الاستراتيجية الدفاعية التركية، إذ تسعى أنقرة للتحول من دولة مستوردة للسلاح إلى مصدّر إقليمي مؤثر، وصانع قرار فعلي في القضايا العالمية، ليمكنها ذلك من تعزيز استقلال قرارها السياسي والعسكري، وتوسيع نفوذها الإقليمي عبر القوة الذكية التي تمزج بين الدبلوماسية والقوة الصلبة.

كما أن انتشار السلاح التركي في مناطق مثل القرن الإفريقي، وآسيا الوسطى، وشمال إفريقيا يعزز مكانة أنقرة كلاعب إقليمي صاحب طموحات استراتيجية، ومن جهة أخرى، فإن العديد من القوى الاقليمية تنظر بعين القلق والحذر من برامج الصواريخ الباليستية والدبابات والطائرات المسيرة مثل اليونان وإسرائيل ومصر، حيث تنظر للبرامج التي تسير خلالها تركيا كعنصر مغير لمعادلات الردع في الشرق الأوسط.

ثالثًا: الانعكاسات على الأمن الإقليمي والتوازنات العسكرية:

تعمل تركيا على إقامة تحالف أشبه ما يكون بمحور المقاومة الذي تقوده إيران ولكن على صعيد العديد من الدول السنية، حيث عملت على التأثير المباشر وغير المباشر في إسقاط النظام السوري السابق من خلال دعم هيئة تحرير الشام ومدها بالطيران المسير والأسلحة والتدريبات العسكرية، مستفيدةً من اللعب على التناقضات لمد نفوذها لسوريا التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لتركيا لما لها من أهمية جيوسياسية خصوصًا في ظل الدعم الأمريكي للحركات والأحزاب الكردية التي تعمل على تنفيذ قلاقل في تركيا.

وقد ظهرت بوادر نجاحها في استراتيجيتها من خلال التقارب السعودي التركي، والنفوذ التركي في سوريا، حيث تعتبر كافة العوامل السابقة أحد أشكال التأثير في إعادة رسم موازين القوى في المنطقة، حيث إن امتلاك أنقرة لمنظومات عسكرية متقدمة يزيد من فرصة قدرتها على التحرك العسكري المستقل دون الرضوخ للإرادة الأمريكية والأوروبية، خصوصًا في ظل عدم الاحتياج التركي للدعم الغربي والأوروبي العسكري المباشر، كما أن ذلك يزيد من حضورها في حل النزاعات الاقليمية كما حدث في سوريا وكاراباخ.

وعلى الناحية الأخرى، تدفع الاستراتيجية التركية بعض الدول للشروع في سباق تسلح مضاد، خصوصًا في البحر المتوسط والشرق الأوسط، مما قد يخلق ديناميكية جديدة من الردع والتوازن، كما أنه يمكن أن يكون سببًا في إشعال الأزمات والتوترات حال غياب آليات الضبط والتوازن الإقليمي، وهو المرجح.

وتهدف تركيا من خلال استراتيجيتها لكسر الهيمنة الأمريكية على العالم في ظل تقاربها من روسيا وإيران والصين على المدى البعيد، حيث من الممكن أن نشهد تحالفًا حقيقيًا بين الدول السابق ذكرها، ما يهدد الأمن اللإقليمي والدولي على حدٍ سواء، خصوصًا في ظل التقارب التركي الذي يعتبر عضوًا في حلف الناتو مع دول مثل روسيا وإيران والصين اللواتي يعتبرن مناهضين للسياسة الغربية بشكلٍ شبه كامل.

الخلاصة:

لم تعد الأطر الحربية التركية مؤطرة ضمن إطار مشروع صناعي، بل تعدت ذلك لتصل لاستراتيجية قومية شاملة تمزج بين الطموح الوطني والرؤية الجيوسياسية، حيث تسعى تركيا من خلال استراتجيتها لتثبيت ذاتها كقوة إقليمية مكتفية ذاتيًا وعسكريًا، وقادرة على فرض آرائها وإرادتها السياسية والدفاع عن مصالحها في بيئة إقليمية معقدة، وفي ظل تسارع نجاحها يمكننا التنبؤ بإقبال المنطقة على مرحلة جديدة من إعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية ليكون لتركيا فيها دور محوري متزايد.

خصوصًا بعد الحرب الاسرائيلية ضد قطاع غزة وإنهاك "اسرائيل" وعزلتها الدبلوماسية في العالم، وملاحقة تركيا لرئيس الوزراء "الاسرائيلي" بينيامين نتنياهو قانونيًا، لتكون تركيا الشبح القادم بالنسبة ل "اسرائيل" بعد توجيهها ضربة لمحور المقاومة وعلى رأسه إيران خلال الحرب "الاسرائيلية" التي امتدت ما يقرب العامين (7 أكتوبر 2023 – 10 أكتوبر 2025).

المصدر / فلسطين أون لاين