قائمة الموقع

تهويد الأسماء والمعالم في القدس: سياسات التزييف الممنهج للهوية والمكان

2025-11-06T12:26:00+02:00
فلسطين أون لاين

لا تترك أذرع الاحتلال التهويدية جانبًا من المدينة المحتلة من دون خططٍ تستهدف هويتها، وتسعى إلى تهويدها، ولا تترك هذه الأذرع شبرًا من المدينة من دون استهداف، إن من خلال المشاريع الاستيطانية والاستيلاء على منازل المقدسيين، أو من خلال زرع المعالم اليهودية الدخيلة من كنسٍ ومشاريع تهويدية قريبة من المسجد الأقصى، وصولاً إلى الاعتداء المباشر على المقدسات في المدينة، ومحاولات فرض السيطرة على المسجد الأقصى.

ويُشكل فرض الرواية اليهوديّة "المكذوبة" على المدينة المحتلة، واحدًا من أبرز الأهداف الكبرى التي تسعى إليها سلطات الاحتلال، وهو أداتها الأساسية لتحقيق المزيد من السيطرة على المدينة، فلا تكتفي سلطات الكيان بهدم المعالم التاريخية في المدينة، بل تعمل على استبدالها بمعالم أخرى لا تمت لتاريخ المدينة وواقعها. وفي سياق فرض روايتها الصهيونية، تعمل سلطات الاحتلال على تغيير الأسماء العربية والإسلامية لشوارع القدس المحتلة وأزقّتها، واستبدال هذه الأسماء بأخرى يهودية، يعود بعضها لحاخامات يهود مستوطنين، وبعضها الآخر لأسماء جنود شاركوا في احتلال القدس، وبعضها يتصل مباشرة بالرواية التوراتية وأسطورة "المعبد"، في إسقاط مباشر لرؤية دينية على واقع القدس وتاريخها.

وبحسب متخصصين في شؤون القدس، لا تقف المسميات التوراتية عند عناوين الشوارع واليافطات التي تدل الزائرين إليها فقط، بل تفرض سلطات الاحتلال المسميات اليهودية في الوثائق الرسمية المختلفة، على غرار بطاقات الهوية الزرقاء، ومختلف الفواتير من مياه وكهرباء وهواتف وضرائب، وتصل إلى الخرائط التي تُطبع في الكتب المدرسية أو تلك التي يستخدمها السياح، وصولاً إلى برامج الملاحة عبر الأقمار الصناعية، ومنصات الخرائط العالمية على غرار "غوغل ماب".

حجم تزييف المعالم في القدس وفلسطين

يصل عدد الأماكن التي غيرت سلطات الاحتلال أسماءها منذ تأسيس الدولة الصهيونية قبل 73 عامًا إلى نحو 80 ألف مُسمّى في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، بحسب رئيس مؤسسة بيت الذَّاكرة للتراث في مدينة الناصرة البروفيسور مصطفى كبها، وتشمل الأماكن التي غيّر الاحتلال أسماءها مدناً وأودية وجبالاً وسهولاً وشوارع ومبانيَ وحواريَ وجاداتٍ وغيرها.

أما في القدس المحتلة، تصل أعداد الأماكن والشوارع والمعالم، التي غيّرت سلطات الاحتلال أسماءها، بحسب متخصصين مقدسيين، إلى نحو 22 ألف مكان وشارع ومعلم في شطري المدينة المحتلة، وفي عام 2018 كشفت دراسة بأن سلطات الاحتلال غيرت أسماء نحو 667 معلمًا تراثيًا في المدينة المحتلة، وهو ما يؤكد استهداف كل ما في المدينة من معالم، والتراثية منها على وجه الخصوص، ولا تتوقف أذرع الاحتلال عن تزييف الأسماء وتغييرها، ومن أبرز هذه القرارات في السنوات الأخيرة، ما صدر في 4/9/2021، إذ أطلقت بلدية الاحتلال حملة لتهويد أسماء عددٍ من شوارع البلدة القديمة، فقد غيرت اسم طريق الوادي التاريخي إلى اسم تهويدي هو "ميدان هجفورا"، وللطريق أهمية تاريخية كبيرة، إذ يمر بمحاذاة السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك.

لجان رسمية مسؤولة عن تغيير الأسماء

يُشرف على تهويد أسماء الشوارع في القدس المحتلة لجنة خاصة بالتسميات، تتبع لبلدية الاحتلال في القدس، واسمها بالعبرية "عيريات يورشلايم"، وتضم هذه اللجنة أكاديميين لهم معرفة في السياسية، إلى جانب أعضاء من أحزاب سياسية يمينية، وعلى الرغم من دور اللجنة الكبير، إلا أن القرار النهائي يظل في الكثير من الحالات لرئيس بلدية الاحتلال. أما على صعيد الأراضي المحتلة، فهناك لجنة أخرى تابعة لمكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية، تُدعى لجنة "التسميات الحكومية"، يمتد تأثيرها إلى مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، إذ تحدد لجنة المسميات أسماء المستوطنات الإسرائيلية، والمواقع الجغرافية والشوارع ومفترقات الطرق، إضافةً إلى أسماء المعابر الحدودية، ومواقع التنزه العامة في المناطق المحتلة. وتعتمد هذه اللجان في عملها على تغيير أسماء المعالم الفلسطينية وتزييفها على 3 أساليب رئيسيّة وهي:

- الأسلوب الأول، من خلال تغيير الأسماء العربية بشكل كامل، واستبدالها بأخرى تحمل طابعًا دينيًا تعود إلى أسطورة "المعبد" أو لشخصياتٍ صهيونية مرتبطة بتأسيس الكيان، والجنود الذين سقطوا في الحروب التي خاضها الكيان في العقود الماضية.

- الأسلوب الثاني، يقضي بترجمة الأسماء العربية إلى العبرية، ما يلغي استعمالها العربي مع مرور الزمن، خاصة من خلال الاستخدام الرسمي أو غيرها.

- الأسلوب الثالث، فيتمثل بالإبقاء على نفس الأحرف العربية، ولكن بالحرف العبري، ونطقها بشكل يؤدي إلى معنى آخر يختلف عن اسمها العربي الأصيل.

أهداف الاحتلال من تغيير أسماء المعالم والشوارع

لا يُمكن بحالٍ من الأحوال عزل تغيير أسماء الشوارع عن خطط الاحتلال التهويدية الأخرى؛ إذ تقع كما أسلفنا في قلب محاولات الاحتلال السيطرة على المدينة المحتلة وفي القلب منها المسجد الأقصى، ويمكننا تقديم أبرز 8 أهداف كامنة خلف تغيير سلطات الاحتلال الأسماء العربية والإسلامية في القدس المحتلة، وهي:

• إسقاط مباشر للرؤية الدينية اليهودية على واقع القدس وتاريخها.

• ترسيخ الروايات التوراتية والتلمودية في محيط البلدة القديمة عامة، ومحيط المسجد الأقصى على وجه الخصوص، عبر أسماء مشتقة من أسطورة "المعبد"، أو لأماكن ورد ذكرها في التوراة وشروحاته.

• تزوير هوية المدينة العربية والإسلامية، ومحاولة تزييف طابعها الثقافي والحضاري.

• استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية.

• إيهام من يزور المدينة المحتلة من سياح وزائرين بوجود تاريخٍ يهودي أصيل في المدينة المحتلة، وما يتصل بهذا الطابع من معالم وآثار.

• كيّ وعي السكان المقدسيين؛ إذ يراهن الاحتلال بأن الأجيال القادمة من سكان المدينة الأصليين، سيستخدمون الأسماء العبرية الدخيلة، وبأن فرض هذه الأسماء في المعاملات الرسمية سيُجبر المقدسيين على اعتياد الأسماء اليهودية.

• محاولة سلطات الاحتلال فك ارتباط المقدسي بمدينته وارتباطه بمعالمها وأحيائها، ما ينعكس ضعفاً في هوية المكان التاريخية والحضارية، التي تنبني في جزء كبيرٍ منها على ارتباط السكان بهذه المعالم والأوابد الحضارية.

• تحويل القدس إلى مدينة طاردة لسكانها الأصليين؛ إذ يحاول الاحتلال من مجمل الأهداف السابقة تحويل القدس إلى مدينة طاردة لسكانها، فلا يعودون قادرين على العيش بين جنباتها، نتيجة حالة الاغتراب التي يشعر بها الفلسطيني في القدس، وإحاطته بأسماء ورموز ومعالم دخيلة، إلى جانب ما يعانيه من حصار اقتصادي واجتماعي واعتداءات مباشرة.

فك الارتباط بالمكان، شواهد التزييف

لا تتوقف محاولات أذرع الاحتلال عن التدخل في اللافتات الإرشادية في القدس المحتلة، وتغيير أسماء المعالم العربية والإسلامية، ففي شهر أيلول/سبتمبر 2025 استبدلت سلطات الاحتلال التسمية الرسمية لحائط البراق بـ"حائط المبكى"، على الحافلات العامة التي تجوب شوارع المدينة، وفي النقاط الآتية، نورد أبرز شواهد التزييف التي جرت في المدينة المحتلة:

- تغيير اسم طريق الشارع المؤدي إلى باب الأسباط إلى شارع "مردخاي"، نسبة إلى اسم الشهرة لشخصٍ يدعى "مردخاي غور"، الذي اقتحم البلدة القديمة من جهة باب الأسباط بالدبابات إبان احتلالها عام 1967، وكان أحد أعضاء "الكنيست" في ذلك الوقت، إضافةً إلى كونه ضابطاً في جيش الاحتلال.

- تحويل اسم طريق رأس العامود إلى "معاليه هزيتيم"، وأقيمت في المنطقة بؤرة استيطانية تحمل هذه الاسم، كما تحول الشارع الممتد من باب الخليل إلى باب العامود، وهو من أهم شوارع القدس المحتلة، إلى "طريق المظليين"، نسبة إلى المظليين الذين شاركوا في احتلال القدس عام 1967، واقتحموا المسجد الأقصى بعد احتلال المدينة مباشرة.

- تزييف اسم جبل الزيتون إلى "هار همشحاة"، وهو الاسم التوراتي للجبل الذي يطل على المسجد الأقصى. أطلقت سلطات الاحتلال اسم "شير همعلوت" على أحد شوارع بلدة سلوان، وهو الاسم التوراتي الذي يشير إلى "طريق المعبد".

- غيرت أذرع الكيان اسم شارع "القصور الأموية" الواقع جنوب سور القدس باتجاه سلوان، إلى اسمٍ عبرية وهو "شير همعلوت"، وغيرت كذلك اسم شارع "باب الزاهرة" شمال البلدة القديمة إلى اسم عبري "أمير دروري"، وهو مؤسس سلطة الآثار "الإسرائيلية".

- إطلاق أسماء حاخامات على شوارع في قرية سلوان جنوب المسجد الأقصى، وشملت 5 أزقة وشوارع صغيرة في حي بطن الهوى في سلوان. وصودق على إطلاق الأسماء الآتية: "عزرات نداحيم" و"هراف مدموني"، و"هراف أفراهام ألنداف"، و"هراف يحيى يتسحاك هليفي"، و"هراف شالوم ألشيخ هليفي".

اخبار ذات صلة