قائمة الموقع

الاحتلال الإسرائيليِّ يتسبَّب في تفاقم انتشار البعوض والأمراض في غزَّة

2025-11-05T20:04:00+02:00
تراكم النفايات يجذب البعوض والحشرات في غزة
فلسطين أون لاين

تزداد معاناة سكان قطاع غزة يومًا بعد يوم، ليس فقط من آثار الحرب الإسرائيلية المدمرة التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل أيضًا من تبعاتها الصحية والبيئية الخطيرة، وعلى رأسها الانتشار الواسع للبعوض والحشرات الضارة التي باتت تهاجم النازحين في خيامهم والمواطنين في بقايا منازلهم المهدمة.

يتسبب البعوض بلدغاتٍ مؤلمة واحمرارٍ في الجلد، فضلًا عن التهاباتٍ مزمنة يصعب علاجها مع غياب الأدوية والمستلزمات الطبية.


 

ومنذ بداية الحرب على القطاع، تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير شبكات المياه والصرف الصحي في مختلف المناطق، ما أدى إلى طفح المياه العادمة في الشوارع وتكوّن مستنقعات وبركٍ ملوثة أصبحت بيئة خصبة لتكاثر البعوض.

كما أدى تدمير البلديات ومراكز الخدمات العامة إلى شلّ عمليات الرش ومكافحة الحشرات، في ظل نقصٍ حاد في الوقود والمبيدات والآليات اللازمة.

بيئة موبوءة

يقول المواطن محمود جودة، من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والمقيم في خيمةٍ مؤقتة قرب منزله المدمر: "كل مساء أبدأ معركة جديدة مع البعوض داخل الخيمة. صنعت مطرقة بلاستيكية بنفسي لأقتل أكبر عدد ممكن، لكنني لا أستطيع حماية أطفالي الثلاثة وزوجتي من لدغاته المؤلمة التي تترك بثورًا وحكة شديدة في الجلد."

ويضيف جودة لصحيفة فلسطين: أن الأدوية الخاصة بعلاج لدغات الحشرات غير متوفرة إطلاقًا، بسبب منع قوات الاحتلال إدخال الإمدادات الطبية الكافية، مؤكدًا أن ما يدخل القطاع من أدوية لا يغطي الحد الأدنى من احتياجات المرضى والمصابين.

أما المواطن إدريس أبو العمرين، الذي يسكن خيمة قرب منزله المدمر غرب غزة، فيقول إن انتشار البعوض والحشرات ناتج عن التدمير المتعمّد الذي نفذه الاحتلال لمرافق البلديات ومراكز الصحة العامة.

ويضيف: "هذا التدمير ليس صدفة، بل جزء من سياسةٍ ممنهجة لخلق بيئةٍ موبوءة داخل القطاع. الاحتلال لا يكتفي بقتل الناس بالقنابل، بل يريد أن يقتلهم بالأمراض أيضًا. لقد دمّر محطات الصرف الصحي ومضخات المياه والمباني الصحية التي كانت ترش المبيدات، لتنتشر الحشرات في كل مكان."

ويؤكد أبو العمرين أن مراكز الرعاية الصحية تعاني من نقصٍ حاد في الأدوية والمستحضرات الجلدية بسبب الحصار، وأن الأطفال والنساء أكثر الفئات تضررًا من انتشار البعوض الذي يهاجمهم ليلًا ونهارًا.


 

استهداف متعمد

ويروي النازح أحمد شتات من مخيم النصيرات وسط القطاع، أن استهداف جيش الاحتلال لمعدات البلديات والآليات الثقيلة التي كانت تزيل الركام من الطرقات ساهم في تفاقم الكارثة الصحية.

ويقول شتات لـ"فلسطين": "حين دمّر الاحتلال الجرافات والشاحنات التي كانت تستخدم لتنظيف الشوارع، توقف كل شيء. تراكمت النفايات والمياه الراكدة، وانتشر البعوض بشكلٍ غير مسبوق. يريدون أن يجعلوا غزة مكرهة صحية وبيئة غير صالحة للحياة."

ويشير إلى أن الوضع الصحي في مراكز الإيواء كارثي، إذ نفدت مواد النظافة والمبيدات منذ إغلاق المعابر قبل أكثر من عام، ولم تتلقَّ المخيمات أي مساعدات جديدة في هذا الجانب، ما جعل الحشرات تنتشر داخل الخيام وبين الأطفال والنساء بشكلٍ يهدد حياة الجميع.

كارثة صحية

من جانبها، حذّرت منظمة الصحة العالمية وعدة وكالات تابعة للأمم المتحدة من تفشّي الأمراض المعدية في غزة نتيجة تدهور خدمات المياه والنظافة وتدمير البنية الصحية، مشيرةً إلى أن انتشار الحشرات والبعوض أحد أبرز مؤشرات انهيار الصحة العامة في حالات الطوارئ.

وأكدت تقارير أممية أن الحرب الإسرائيلية تسببت في تدمير أكثر من 70% من شبكات المياه والصرف الصحي في القطاع، ما أدى إلى تسرب المياه الملوثة إلى الأحياء السكنية وارتفاع نسبة التلوث البيئي إلى مستوياتٍ خطيرة.

وتوقفت بلدية غزة عن رش المبيدات ومكافحة أماكن تكاثر البعوض بسبب نقص الوقود والمبيدات وتعطّل المعدات، ما جعل الوضع يخرج عن السيطرة. فالمياه الراكدة والنفايات المتكدسة والحرارة المرتفعة، كلها عوامل ساهمت في تحويل القطاع إلى بؤرةٍ لتكاثر البعوض والحشرات الضارة.


 

وفي مراكز الإيواء التي تضم مئات الآلاف من النازحين، تتحدث شهاداتٌ متطابقة عن معاناةٍ شديدة بسبب لدغات البعوض، في ظل غياب الناموسيات وأدوات الحماية. أصبحت وسائل الوقاية من الكماليات النادرة، بينما يفاقم الازدحام الشديد وسوء التهوية داخل الخيام من حدة المشكلة.

ورغم هذه الظروف الصعبة، يواصل السكان محاولاتهم البسيطة للتغلب على الكارثة الصحية، باستخدام وسائل بدائية مثل إشعال الفحم أو تغطية الأطفال بملابس سميكة ليلًا، لكن تلك الوسائل لا تفي بالغرض أمام كارثةٍ بيئيةٍ وإنسانية تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ مباشر من خلال تدميره الممنهج لكل مقومات الحياة.

وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تنشغل البلديات والمراكز الصحية بمكافحة الأوبئة، تجد نفسها بلا وقود، ولا معدات، ولا كوادر، لأن الاحتلال دمّر كل شيء.

وهكذا، أصبح البعوض والحشرات وجهًا آخر من وجوه الحرب الإسرائيلية على غزة، التي لا تكتفي بتدمير الحجر، بل تسعى أيضًا لتدمير الإنسان وصحته وبيئته.

اخبار ذات صلة