فلسطين أون لاين

تصاعد جرائم مستوطني "فتيان التلال" بالضفة.. ضوء أخضر من حكومة نتنياهو

...
مستوطنون يتبعون لعصابة "فتيان التلال" في الضفة الغربية
رام الله- غزة/ نور الدين صالح

في مشهدٍ يكشف مدى تغوّل المشروع الاستيطاني "الإسرائيلي" في الضفة الغربية، تتصاعد اعتداءات المستوطنين، وخاصة ما يُعرف بـ "فتيان التلال"، على القرى والمزارعين الفلسطينيين بوتيرة غير مسبوقة.

هذه المجموعات المتطرفة، التي تشكّلت خلال العقدين الأخيرين وتُعدّ الذراع الشبابية العنيفة للحركة الاستيطانية، تمارس إرهاباً منظّماً تحت حماية جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، في محاولة لإحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها، وسط صمتٍ رسمي دولي يشجع على استمرار الجريمة.

وخلال الأسابيع الماضية فقط، وثّقت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية أكثر من 960 اعتداءً على المزارعين وقاطفي الزيتون، شملت اقتلاع مئات الأشجار، إحراق حقول، سرقة ثمار، والاعتداء الجسدي على الأهالي. وترافقت هذه الانتهاكات مع توسّع في إنشاء البؤر الاستيطانية الجديدة، ليتحوّل موسم الزيتون من رمزٍ للسلام إلى موسمٍ للرعب والخوف.

تبدو هذه الموجة من العنف جزءاً من سياسة رسمية متكاملة، لا مجرد انفلات لعصابات مسلّحة. فحكومة الاحتلال التي يقودها بنيامين نتنياهو، ويهيمن عليها اليمين المتطرف ممثلاً بوزير "الأمن القومي المتطرف" إيتمار بن غفير ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، منحت المستوطنين الغطاء السياسي والقانوني الكامل لفرض وقائع جديدة في الضفة، بالتوازي مع استمرار العدوان على غزة.

في ظل هذا الواقع، يجد المزارعون الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع ميليشيات مسلحة مدعومة من الدولة. لا يملكون سوى أدواتهم البسيطة وإرادتهم في حماية أرضٍ ورثوها عن أجدادهم. ومع ذلك، يواصلون الصمود رغم الخسائر والاعتداءات اليومية، فيما تبقى استغاثاتهم للمجتمع الدولي دون استجابة.

يقول الناشط في لجان الدفاع عن الأراضي في الخليل يوسف الطميزي: "المستوطنون يعيثون فساداً في الأرض، والاعتداءات تضاعفت بعد العدوان على غزة. أحياناً يكون الجيش معهم، وهناك أكثر من 960 اعتداء سُجلت ضد قاطفي الزيتون هذا الموسم فقط".

ويضيف الطميزي في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن العوامل التي شجعت المستوطنين واضحة؛ حكومة متطرفة يقودها بن غفير وسموتريتش، ومن بعد الحرب على غزة استغل المستوطنون انشغال العالم وغضّ أنظاره عما يجري في الضفة، فشنّوا حملات يومية من شمال الضفة إلى جنوبها.

فيما يرى الاستشاري في مركز أبحاث الأراضي جمال العملة، أن ما يجري ليس اعتداءات فردية، بل سياسة ممنهجة بدعم رسمي.

ويقول العملة لـ "فلسطين أون لاين"، "ما حدث في غزة من مجازر، قابله في الضفة ابتلاع ممنهج للأرض. حكومة نتنياهو التي يقودها بن غفير وسموتريتش منحت المستوطنين الضوء الأخضر لتوسيع السيطرة"، مشيراً إلى أن نتنياهو اعطى الضوء الاحتلال للجيش بحماية المستوطنين.

ويضيف العملة أن الحكومة سلّحت المستوطنين بشكل واسع، حيث تم توزيع أكثر من 80 ألف قطعة سلاح عليهم، وهم اليوم يتصرفون كأسياد البلاد. الجيش والشرطة والقضاء باتوا في خدمتهم، وحتى المحاكم امتلأت بقضاة من خلفيات استيطانية.

وحسب إحصاءات مركز أبحاث الأراضي، تم إنشاء أكثر من 217 بؤرة استيطانية جديدة خلال العامين الأخيرين، معظمها بؤر رعوية يستخدمها "فتيان التلال" للسيطرة على الأراضي الزراعية والمراعي الفلسطينية. هؤلاء الشبان المدججون بالسلاح، يرافقهم كلاب مفترسة، ويرتدون أزياء موحدة، ويتلقون دعماً مالياً من جمعيات يمينية متطرفة، بهدف إحكام السيطرة على الأرض وفرض واقع جديد.

أهداف السيطرة والتهجير

الهدف الأساسي – بحسب الطميزي – هو "الاستيلاء على الأرض ودفع الفلسطينيين إلى الرحيل القسري"، عبر خلق بيئة عنف وانعدام أمان تجعل الحياة اليومية مستحيلة. يقول: "يريدون قتل الأمل في نفوس الناس واستغلال حالة الإحباط بعد الحرب وتراجع الدعم العربي، ليثبتوا واقعاً جديداً. لكن الناس رغم ضعف الإمكانيات يدافعون عن أرضهم بكل ما يملكون، من خلال لجان المقاومة الشعبية والمؤسسات المحلية".

فيما يحذر العملة من أن هذه الاعتداءات تحمل مخاطر استراتيجية على الوجود الفلسطيني نفسه، قائلاً: "فقدان الأرض يعني فقدان مصدر الرزق ودفع الناس إلى الهجرة الطوعية. إنه قتل للاقتصاد المحلي، خصوصاً الزراعي، وتدمير لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية".

آليات التصدي والصمود

في ظل ميزان قوى مختلّ وغياب الحماية الدولية، يراهن الفلسطينيون على الصمود الشعبي كوسيلة أساسية للتصدي. يقول الطميزي: "المطلوب من الجهات الرسمية الفلسطينية دعم صمود الناس والمزارعين، سواء من خلال البلديات ووزارة الزراعة أو ببرامج دعم مباشر للأهالي. كما نحتاج إلى تضامن دولي فعّال من المجموعات المتضامنة التي تزور الضفة خلال مواسم الزيتون".

أما العملة فيؤكد أن مواجهة الاستيطان في منتهى القسوة وأن "الإمكانيات الفلسطينية محدودة"، لكن "العمل الجماعي والتمسك بالأرض" هو ما يبقي الفلسطينيين صامدين. ويضيف: "نحن ننتظر أن يتغير الموقف الدولي، لكن حتى يحدث ذلك، يبقى الرهان على إرادة الناس وصمودهم في وجه آلة استيطان مدعومة من جيش وسلطة احتلال تعلن أنها فوق القانون".

مع ازدياد تغوّل "فتيان التلال" المدججين بالسلاح، وتحوّلهم إلى ذراع ميدانية لسياسات التهويد، تتسع مساحة الخطر في الضفة الغربية. فبينما يُمعن الاحتلال في تدمير غزة، يجري في الضفة تثبيت وقائع جديدة على الأرض تهدف إلى تفريغها من سكانها الأصليين.

المصدر / فلسطين أون لاين