قائمة الموقع

من ميادين التَّوثيق إلى علياء الشَّهادة.. صحيفة "فلسطين" ترثي شهيدَ الكلمةِ الحُرَّة

2025-10-30T11:30:00+02:00
الصحفي الشهيد محمد المنيراوي
فلسطين أون لاين

كانت ابتسامته دليلًا قويًّا على حضوره، يسيرُ بخطواتٍ واثقة بين زملائه في صحيفة "فلسطين" "يلاكشهم" في نكاتٍ لطيفة ليخفِّف عنهم شيئًا من ضغط العمل، وعناوين الأخبار التي لا تنتهي.

عرفته ميادين العمل، صحفيًا قويًا، متميزًا، دقيقًا في عمله، مُخلصًا في أدائه، محبوبًا بين زملائه، يحمل ابتسامةً أنيقة لا تغادر ملامحه، ورجولة حقيقية في الموقف والكلمة.

الصحفي محمد المنيراوي (37 عامًا)، لم يتجهَّز أحد من الزملاء في لحظةٍ ما، أن يغيِّر اسم "أبو وحيد" الطيب، ليسبق تعريفه "الصحفي الشهيد" الذي اغتالته طائرات الاحتلال "الإسرائيلي"، مساء أمس الأربعاء، في قصفٍ غادرٍ على خيمته في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

بكته الميادين، ورثاه الأصحاب، ونعاه الأحباب، فمثل الشهيد المنيراوي، بصمةٌ خُتمت في كل مكان خطّته قدماه، ورجلٌ عاش مع رسالةٍ يؤمن بها حقَّ الإيمان، إلى أن ارتقى شهيدًا للحقيقة والقلم.

عمل لأكثر من 15 عامًا في الميدان، موثقًا جرائم الاحتلال ضد المدنيين، ومؤمنًا بأن دور الصحفي في زمن الحرب هو أن يُبقي للعالم نافذة يرى من خلالها وجع غزة وصمودها.

محمد الذي أحبَّ مدينة غزة ورفض مغادرتها رغم تهديدات الاحتلال طوال حرب الإبادة، وبقي صامدًا فيها حتى في أحلك الظروف واشتداد الحصار والقصف، وحسب رفاقه، فإنه توجه لخيمة أسرته في النصيرات لنقلها إلى غزة، لكن صواريخ الحقد والإجرام الصهيونية كانت تتربص به، حقدا وانتقاما من فرسان الحقيقة الذين فضحوا جرائم الاحتلال.

وباستشهاد الصحفي محمد المنيراوي، ارتفع عدد الشهداء من الصحفيين إلى 256 شهيداً منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

وأدان المكتب الإعلامي الحكومي، بأشد العبارات استهداف وقتل واغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين بشكل ممنهج، داعيًا الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، وكل الأجسام الصحفية في كل دول العالم إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة ضد الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة.

وحمّل المكتب الحكومي الاحتلال "الإسرائيلي" والإدارة الأمريكية والدول المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية مثل المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا؛ المسؤولية الكاملة عن ارتكاب هذه الجرائم النَّكراء الوحشية.

وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمنظمات ذات العلاقة بالعمل الصحفي والإعلامي في كل دول العالم إلى إدانة جرائم الاحتلال وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة وتقديم مجرمي الاحتلال للعدالة. كما طالب المكتب الحكومي، بممارسة الضغط بشكل جدي وفاعل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ولحماية الصحفيين والإعلاميين في قطاع غزة، ووقف جريمة قتلهم واغتيالهم.

وأدان مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين (PJPC) اغتيال المنيراوي، مؤكدًا أن استهداف الصحفيين يعد جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

وأشار المركز إلى أن استشهاد المنيراوي يرفع عدد الصحفيين الذين استشهدوا في غزة منذ بدء العدوان إلى أكثر من 257 صحفيًا وصحفية، في حصيلة وُصفت بأنها الأعلى عالميًا في نزاع واحد منذ عقود.

وقال المركز في بيانه إن المنيراوي كان من الصحفيين الذين “ساهموا في توثيق جرائم الاحتلال رغم المخاطر اليومية”، داعيًا إلى تحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

وأضاف البيان: “دماء الصحفيين في غزة ستظل شاهدة على عجز العالم عن حماية الحقيقة.”

رحل رجلُ الحقيقة شهيدًا لربه، بعد أن أدَّى الأمانة الإعلامية، واليوم يبكيه رفاقه، وتسأل عنه كل عناوين الصُّمود التي احتضنها المنيراوي طوال الإبادة، وتفتقده تشكيلاتُ اللغة التي تركها في مقعده دون وداعٍ أخير.

في رحيل أبو وحيد، لا تنتهي القصة، بل تبدأ من جديد في كل عدسة تحمل صدقه، وفي كل قلمٍ يكتب خوفًا عليه لا عنه. سيظلّ "محمد المنيراوي" عنوانًا للشجاعة، وشاهدًا على أن الحقيقة تُروى أحيانًا بالدم لا بالحبر.

اخبار ذات صلة