فلسطين أون لاين

تقرير عاد جثمانًا بعد عامين من الغياب... محمود حسين شاهد آخر على تعذيب الأسرى

...
عاد جثمانًا بعد عامين من الغياب... محمود حسين شاهد آخر على تعذيب الأسرى
الوسطى/ محمد الأيوبي:

لم تكن عائلة الشاب محمود حسين تعلم أن انتظارها الطويل لخبر مصير ابنها المفقود منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة سيتحول إلى وجع أكبر، حين استلمت جثمانه بعد عامين من الفقد، مشوهًا ومحملًا بآثار تعذيب وإعدام متعمد داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

في بيت صغير تتناثر على جدرانه صور الشهداء، جلست عائلة حسين تتذكر تفاصيل الأيام الأولى للحرب، حين انقطع الاتصال بمحمود، الشاب الذي خرج من منزله صباح السابع من أكتوبر 2023، ولم يعد.

ظنت العائلة أنه استشهد، لكن بعد أسابيع، بثت القناة 12 العبرية مقطعًا مصورًا له وهو على قيد الحياة، مصابًا في يده اليسرى، يطلب العلاج من جنود الاحتلال، لكن دون الإفصاح عن مصيره أو أي معلومات عنه.

تمسك بالأمل

يقول محمد حسين، ابن شقيقته، وهو يستعيد لحظة التعرف إلى الحقيقة: "فهمنا أنه أسير حي ويحتاج للعلاج. بقينا ننتظر أي خبر عنه، أي رسالة، أي اتصال. كنا نقول ربما سيخرج في صفقة، أو يعود مع الأسرى، لكن شيئًا لم يحدث".

في 14 أكتوبر 2025، وصل إلى مستشفى ناصر في خانيونس جنوبي القطاع، عدد من جثامين الشهداء مجهولة الهوية، بلا أسماء، بلا مراعاة لكرامة إنسانية. نُشرت صور الجثامين، وبدأ الأهالي يبحثون بينهم، كل يحمل صورة في رأسه وقلبه.

يقول محمد: "لم أكن أتوقع أن يكون خالي بينهم. بحثت فقط بدافع الشك، خاصة أن الكثير من الأسرى استشهدوا في سجون الاحتلال بسبب التعذيب القاسي، لكني صعقت عندما رأيته بين الجثامين. عرفته رغم كل شيء. لكن الجثمان كان في حالة لا تحتمل الرؤية".

ويضيف: "كانت آثار الرصاص واضحة: طلق ناري في الوجه، وآخر في الصدر، تحديدًا في القلب، جمجمته كانت محطمة، لا عينين، ولا أسنان. اليدان أيضاً مصابتان إحداهما مصابة بطلق ناري وشبه مقطوعة، كان ذلك شكل من تعرض لتعذيب قاسٍ وإعدام من مسافة قريبة".

تقول شقيقة الشهيد محمود: "كنا نتمسك بالأمل. أمي كانت تقول دائماً: إحساسي يقول إنه عايش. بعد استشهاد إخوتي الثلاثة وأبي وأطفال العائلة، لم يتبق لنا أحد غير محمود. كنا ننتظره ليكون الباقي، لكنه عاد جثمانًا لا يشبه ملامحه".

وتضيف: "عندما رأينا الجثمان كان وجهه مشوهًا جدًا. لم نتمكن من التعرف عليه في البداية. حتى بدأنا نبحث عن العلامات التي كانت في جسده".

جنازتين

ولم تقف الصدمة عند هذا الحد، فقد دُفن محمود بالخطأ مع شهداء عائلة أخرى بسبب التشوه الكبير الذي أصاب ملامحه، قبل أن يُستخرج ويُعاد دفنه بعد يومين. وتتابع شقيقته وهي لا تزال تعاني إصابة في قدمها: "كأن الله كتب له جنازتين. حين رأيناه في المستشفى لم نتعرف عليه من وجهه، بل من العلامات في جسده. المشهد كان يفوق قدرة أحد على التحمل".

ولا يتوقف وجع العائلة عند محمود، فقد فقدت في قصف إسرائيلي الأب واثنين من الأخوة وأبنائهم، فيما أصيبت الأم إصابة بليغة أدت إلى بتر ساقها، وتنقلت بين مستشفيات غزة قبل أن تُنقل للعلاج في مصر.

تقول شقيقته بصوت الآلم: "أُبيدت عائلتنا بالكامل. بيتنا قصف فوق من فيه، ما ظل حد.. كنا ننتظر محمود يرجع. لكن رجع جثمان."

أما محمد، فيلخص المأساة بعبارة موجعة: "عامان من الانتظار انتهيا بجثمان. كنا ننتظر عودته، فأعادوه إلينا شاهدًا على الموت. لم ينصفنا أحد، لا العالم ولا العدالة. لكننا نؤمن أن الله لن يترك دماءه تذهب هدرًا".

المصدر / فلسطين أون لاين