كانت في البداية من هواة إعداد قوالب الجاتوه، تعشق أطباق الحلويات المنزلية، وبأدوات يدوية عادية، ما دفعها لبدء مشروعها الخاص انطلاقًا من هذه المهارة، وحاليًا تبدع منال سعيد شاهين/ الخواص (39 عامًا) في صنع أشكال الجاتوه المتنوعة، مماثلة تمامًا لما يتم إنتاجه في متاجر الجاتوه، إن لم تكن أفضل، فهي طازجة ولذيذة بدرجة تجعلها تتفوق على ما يُباع في المتاجر المتخصصة على حد تأكيد صاحبتها التي حاورتها "فلسطين"..
حقل تجارب
بحركات متقنة ودقيقة، تزين منال قوالب الجاتوه الطازجة، تنسج إبداعها برسم الورود والنحل والشكولاتة بأسمائها وأشكالها المختلفة، وبألوانها الزاهية التي تضيفها إلى القوالب، كما أنها تستخدم الكريمة بدرجة معينة من التماسك كي تحافظ على ثباتها.
"كنت أشتري قوالب الجاتوه من متاجر بيعها المختلفة، وكنت ألاحظ أن الطعم نفسه، رغم اختلاف المظهر الخارجي من مكان لآخر"، هكذا تتحدث عن بداية نمو فكرتها مضيفة: "بدأت بالبحث عبر الإنترنت عن طرق تصنيعها، وقضيت وقتا كبيرا في ذلك".
أعطتنا وقتا من جدولها في ساعات الظهيرة الذي كانت خلاله منشغلة بإعداد ثلاث قوالب حلوى لبعض زبائنها، وخلال الحديث معنا أوضحت: "في السابق، كان عدد الطلبات لا يتجاوز الواحد أو الاثنين في الأسبوع، أما الآن فالأعداد تزايدت حتى أنني أضطر أحيانا لتأجيل إعداد بعض الأصناف بسبب الاكتفاء، وبعض الطلبات تكون من محافظتي رفح وخان يونس وليس من غزة فقط".
استرجعت ذكريات البداية، وقالت ضاحكة: "بدأت تطوير نفسي بإعداد أطباق من الكيك لأولادي، كان ذلك قبل أربع سنوات، أجريت في البداية حقلا للتجارب الفاشلة، وخسرت الكثير من الوقت والمال، ولكن لم يصبني اليأس".
وهكذا خطت الخواص خطواتها الأولى في إنشاء مشروعها الخاص الذي مزجت من خلاله بين ممارسة الهواية وتوفير مصدر للدخل، وكانت البداية بإنتاج "الكيك الإسفنجي"، وحينها روّجت له من خلال صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وبينت: "الفكرة من بيع الكيك الإسفنجي كانت تستند إلى أن البعض لا يحب الكريمة، مما يعني أن بيعها دون إضافات يتيح الفرصة لربات البيوت لإضافة المقادير التي تناسب بيوتهن من الكريمة، لذا لاقت الفكرة طلبا وترحيبا من الكثيرين".
البداية كانت مرتبطة بالكيك الإسفنجي فقط، أما الآن فضيفتنا تقدم الكثير من الخيارات لزبائنها، إذ تتقن إنتاج "السنكرز"، و"تشيز كيك" بنكهات مختلفة، و"الكيك الأحمر بتوفي الفراولة"، و"كيك النسكافيه"، وكيك بنكهة القهوة، و"كيك التوفي"، وحلا التوفي، وغيرها الكثير.
"نايس كيك".. هو اسم مرحلة التطور الثانية بعد الكيك الإسفنجي لمشروعها الحالي الذي بدأته قبل عام، وعنه أوضحت: "اخترت الاسم كي يتناسب مع جمال ما أصنعه"، مبينة: "جمال الطعم يجبر من يتذوق قطعة على أن يعيد الكرة مرة واثنتين، وما أعده يتناسب مع مزاج الذين يحبون القهوة، أشعر أنهما يكملان بعضهما".
قواعد نجاح
ما زالت تتحدث عن تطور الفكرة: "اقترحت علي ابنتي الجامعية أن تنشئ لي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، كي يتعرف الناس على ما أقدمه".
"شغلك جميل ويستحق المتابعة".. قالتها ابنتها لتحفيز والدتها على تطوير مشروعها ليصبح أكثر رواجا بين الناس، ولم ترفض طلبها الأم، إذ ردّت: "موافقة، ولكن شرط أن تأتيني الطلبات قبل موعدها بيومين حتى أستطيع إعدادها بشكل مميز يجذب انتباه الزبائن".
هل ستنشئين متجرا؟ في إجابتها تؤكد أن الفكرة غير واردة حاليا، لأن افتتاح المتجر يحتاج إلى رأس مال كبير، إضافة إلى تعارضه مع مسؤولياتها تجاه بيتها وأبنائها.
"آآآه".. قالتها ولعل شريطا من المتاعب مر أمامها لحظة سؤالها عن تعاملها مع أزمة الكهرباء، إذ وصفت معاناتها: "أقسم وقتي بما يتماشى مع جدول الكهرباء، فعندما تكون متصلة أقوم بإعداد الكريمة والزيت والقالب الإسفنجي، حتى أفرغ نفسي لتزيينها بعد انقطاع التيار الكهربائي".
في حديثها تزاحم كلام كثير عن مهارتها، بذات النبرة الواثقة، بينت: "نسبة الفشل في ما تصنعه محال بيع الجاتوه لا يتعدى 1%، أما نسبة الفشل فيما أصنعه تقارب 50%، لأن عملي يعتمد على كمية البيض الذي أضيفه على قالب الكيك نفسه التي تصل إلى أربع أو ست بيضات، إضافة إلى السكر والطحين ونكهات إزالة رائحة البيض مما يجعلها طازجة وذات مذاق".
وبحسب الخواص فإن: "الكثير من محال بيع الجاتوه تستخدم أكياسا جاهزة من خليط الكيك، وهناك عوامل تؤثر في الطعم والملمس ودرجة الرطوبة فيها، من حيث السكر والطحين ونكهات إزالة طعم البيض".
وأكدت: "هدفي ليس ماديا بالدرجة الأولى، بل أنا أقوم بإعداد الجاتوه من أجل ممارسة هوايتي التي أحبها وأفضلها".
والمعيار الذي يحدد الوقت الذي تستغرقه يوميا في إعداد الأصناف، هو القطعة نفسها، فذلك يختلف من قالب لآخر حسب كمية الإضافات من الفواكه والكريمة والشكولاتة، كذلك وفقا لاختلاف الحشوات التي بداخل كل صنف.
وبالنسبة لضيفتنا التي درست حتى الصف التاسع فقط، فإن "الشهادة الجامعية ليست هي ما يميز الإنسان، بل أسلوبه وأخلاقه".
زيارة عائلية كانت بمثابة نقطة تحول في حياتها من الهواية إلى العمل، فذات مرة زارها والدها، واشترت حلوى جاهزة لتقديمها له، لكنها لم تعجبه، وفي المرة الثانية التي قدم إليها أعدت له قالبا من صنعها، وأعجب بها ولم يصدق أن ابنته هي من أعده بالفعل، فكان لهذا الموقف وقعًا خاصًا عليها وحفزها على الاستمرار.
قواعد النجاح بالنسبة لها، هم أولادها الذين تتحدى نفسها لأجلهم، أمّا عن خلاصة تجربتها، فقالت: "ينجح الإنسان بالاستمرارية والتجارب المتعددة وتكرار المحاولة، وعليه ألّا يتوقف عند محطة معينة، فكل شخص لديه طريقة معينة في عمله، يمكننا الاستفادة منها وتطويرها والإضافة عليها".
ومن وجهة نظر الخواص، فإن: "المرأة الفلسطينية هي المجتمع، ويجب أن تُعطى فرصتها الكافية".