قائمة الموقع

عام على الرَّحيل... إرث السَّنوار يعيد تشكيل وعي المقاومة

2025-10-19T17:11:00+03:00
يحيى السنوار
فلسطين أون لاين

بعد مرور عام على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي قائدَ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار، لا تبدو الحركة في موقع الانكسار أو الارتباك، بل أظهرت قدرة لافتة على الصمود والتماسك، واستطاعت تجاوز واحدة من أصعب محطاتها التاريخية.

سعى الاحتلال من خلال اغتيال السنوار إلى إحداث فراغ قيادي وإرباك داخلي في صفوف الحركة، إلا أن النتائج جاءت معاكسة، إذ كشف الحدث عن متانة بنيتها التنظيمية وصلابة منظومتها الفكرية والميدانية.

ورغم مرور عام على استشهاده، لم يتراجع حضور السنوار داخل الحركة، بل تحوّل إلى رمز متجذر في وعي المقاومة، إذ أسس خلال قيادته لمدرسة فكرية ترى في المقاومة مشروع وعي قبل أن تكون عملًا عسكريًا. وبعد رحيله، أكدت حماس أن الفكرة التي جسدها ما زالت حية في سلوك مقاتليها وتنظيمها الداخلي، ليصبح إرثه جزءًا من هوية الأجيال الجديدة للمقاومة.

ويرى مراقبون أن الاغتيال لم يُضعف العمل الميداني للمقاومة في غزة، بل زادها تصميمًا، حيث واصلت كتائب القسام تطوير أدواتها القتالية، بما في ذلك منظومة الصواريخ وأشكال العمل المسلح المختلفة.

من جانبها، قالت الكاتبة المتخصصة في الشأن السياسي أميرة النحال إن السنوار لم يكن مجرد قائد استهدف في معركة غير متكافئة، بل كان عنوانًا لتحولٍ عميق في الوعي الفلسطيني والعالمي، مضيفةً أنه شكّل لحظة التقاء بين سيرة الرجل ومسار القضية الفلسطينية، "ليصبح الفرد فكرة لا تُستأصل، ورمزًا يُعيد تعريف القيادة في زمن الإبادة".

وأضافت النحال لصحيفة "فلسطين": "كان السنوار عقل الطوفان ومهندسه، إذ ربط بين الفكر والميدان، وبين السجن والقيادة، حتى أصبح نموذجًا للمقاتل المفكر الذي اختصر جيل المقاومة الجديدة". وأكدت أن "العدو الذي احتفل باغتياله خسر المعركة الأعمق؛ معركة الوعي، لأن الفكرة التي حملها السنوار تحولت إلى بنية ذهنية في كل فلسطيني يرى في البقاء مقاومة، وفي الحرب الأخيرة نقطة انطلاق لا نهاية".

وأوضحت أن عملية طوفان الأقصى كانت تتويجًا لمسار فكري وتنظيمي طويل أشرف عليه السنوار، بعقل القائد الذي يرى ما بعد الميدان ويدير المقاومة كمنظومة وعي قبل أن تكون منظومة نار.

وتابعت النحال أن السنوار أدرك أن لحظة التحرير تبدأ من بناء الوعي الرافض للهزيمة، وصياغة توازن الإرادة في وجه آلة الاحتلال. فمنذ خروجه من الأسر، عمل على هندسة المقاومة كمشروع وطني شامل يدمج بين الأجنحة العسكرية والسياسية والاجتماعية، معتبرًا أن "الطوفان ليس نهاية بل بداية، وأن المعركة الكبرى هي معركة الهوية والبقاء، لا السلاح وحده".

وأشارت إلى أن هذا المفهوم تجلى في صمود المقاومة لعامين رغم الحصار والإبادة، وفي قدرتها على تحويل كل ضربة إلى رصيد جديد في ميزان الوعي الوطني، مؤكدةً أن السنوار لم يكن قائدًا تقليديًا تحدده الرتبة أو المنصب، بل نموذجًا لقيادة تعمل بصمت وتترك أثرها بالفعل لا بالقول.

وبيّنت أن السنوار أسس لما أسمته "القيادة الغاطسة"، حيث يذوب القائد في الجماعة ويستمد شرعيته من صلابة المبدأ لا من الأضواء، لافتةً إلى أن اختياره البقاء في غزة رغم كونه المطلوب الأول للاحتلال كان قرارًا أخلاقيًا وقيميًا يجسد فلسفة القيادة بالقدوة لا بالإدارة.

واستشهدت النحال بما قاله المؤرخ الإسرائيلي هرئيل حوريف للقناة 12 العبرية: "السنوار كان قادرًا على الاختباء، لكنه اختار أن يترك إرثًا كصلاح الدين الفلسطيني"، مشددةً على أن العدو أدرك أن السنوار اختار الشهادة وعيًا لا مصيرًا.

وختمت بالقول إن السنوار أعاد تعريف القيادة التحريرية الفلسطينية، فجعلها مقاومةً للأنانية السياسية وانتصارًا للمبدأ على المنصب، مؤكدةً أن رحيله لم يكن نهاية حضوره، بل بداية لتحوله إلى ضمير جمعي ممتد في وعي شعبه ومقاومته.

اخبار ذات صلة