رغم الحرب والدمار والمجازر التي عاشتها مدينة غزة، أصرّت الطالبة لانا الوكيل، على التمسك بحلمها، متحديةً كل الظروف القاسية، لتحصد المرتبة الثانية "مكرر" على مستوى الوطن في الفرع العلمي، بمعدل 98.6%.
وتقول لانا لصحيفة "فلسطين": "كنت أدرس على ركام منزلنا المدمر في حي الصحابة، وسط انقطاع الكهرباء، وغياب الماء والطعام، لكنني لم أستسلم، وواصلت دراستي بإصرار حتى حققت هذا التفوق".
وتضيف بفرح: "كنت أطبع ملازمي الدراسية في مطابع متفرقة بمختلف محافظات غزة، بسبب غياب المرافق التعليمية، وواصلت التنقل رغم الخطر، لأنني كنت مؤمنة بأن العلم هو سلاحي الوحيد".
امتحان تحت القصف
وتطمح "لانا" لدراسة الطب، وتقول: "أريد أن أصبح طبيبة لأعالج الأطفال والنساء في غزة، ولأسد النقص الحاد في الكوادر الطبية، بعد استهداف الاحتلال للفرق الطبية والمستشفيات بشكل مباشر خلال الحرب المدمرة على القطاع".
وتشير إلى أن الاحتلال تعمّد إفراغ القطاع، من الطواقم الطبية، بقتلهم أو إصابتهم، وتدمير المرافق الصحية، ما دفعها لتكريس طموحها في خدمة شعبها.
لم تكن امتحانات الثانوية العامة سهلة على "لانا" خاصة في ظل النزوح القسري المتكرر والقصف، حيث تقول: "ليلة امتحان اللغة الإنجليزية، تم الاتصال بنا لإخلاء شارع السفارة المصرية، فاضطررنا للخروج، وكنت أدرس على الرصيف، ثم عدنا بعد منتصف الليل، لنُجبر مرة أخرى على المغادرة، وكنت أحمل كتبي معي وأكمل الدراسة في كل مكان".
وتضيف بتحدٍ: "مشاهد المجازر ونسف البيوت من حولي كانت تدفعني للتحدي أكثر، لأن الاحتلال كان يسعى لتجهيلنا عبر تدمير المدارس والجامعات، لكنني قررت الرد عليه بالتفوق".
فرحة ممزوجة بالألم
وعن لحظة إعلان النتيجة، تقول لانا: "كانت إحدى قريباتنا أول من أبلغنا، لم أصدق، كان شعورًا لا يوصف، اختلطت فيه الفرحة بالدموع، تذكرت منزلنا المدمر، والليالي المظلمة، ومعاناة النزوح المتكرر، لكنني انتصرت رغم كل شيء".
بجوار لانا، جلست والدتها التي ظهرت عليها علامات الفخر، وقالت: "منذ بداية الحرب قُصف منزلنا وأصبت بجراح بالغة، خضعت لعمليتين جراحيتين، وكانت "لانا" من تعتني بي وتلبي احتياجات إخوتها الخمسة، رغم المجاعة وصعوبة توفر الطعام والماء".
وأكدت أن "لانا" لم تحصل على أي دروس خصوصية بسبب الحرب، واعتمدت كليًا على التعليم الإلكتروني والمذاكرة الذاتية، وتابعت: "كانت حريصة على دراستها رغم الخطر والخوف، وكانت تعلم أن عليها أن تنجح لتنتصر على الواقع".
وأهدت الأم تفوق ابنتها إلى أرواح الشهداء والجرحى، وخاصة خالها الشهيد خالد المدهون الذي ارتقى في 16 أغسطس الماضي.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي، أمس، نتائج امتحان الثانوية العامة لطلبة قطاع غزة، مواليد 2006حيث تقدم للامتحان حوالي 26 ألف طالب/ة من مختلف مديريات القطاع.
وفي السادس من سبتمبر الماضي، خاض أكثر من 26 ألف طالب وطالبة من المرحلة الثانوية في قطاع غزة، اختبارات الثانوية العامة "التوجيهي" النهائية، والتي أُجريت هذا العام بشكل إلكتروني، في سابقة تعكس إصرار الطلبة على مواصلة التعليم رغم التحديات الجسيمة.
وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة توثق لحظات الفرح والاحتفال التي عمّت أرجاء القطاع، حيث احتفل الطلاب وذووهم بنتائج الامتحانات، في مشاهد نادرة وسط واقع إنساني وأمني بالغ الصعوبة.
وكان طلاب غزة قد حُرموا من التقدم لامتحانات التوجيهي لعامين متتاليين، نتيجة الحرب المدمرة على القطاع والتى استمرت أكثر من عامين، الذي حال دون عقد الامتحانات بسبب القصف والانهيار الكامل في البنية التحتية التعليمية.
وتسببت حرب الإبادة الجماعية التي تعرض لها القطاع، في حرمان أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من مواليد عامي 2006 و2007 من فرصة التقدم للامتحانات، فيما استشهد نحو 4 آلاف طالب خلال الحرب بينما تمكن 4 آلاف آخرون فقط من تقديم الامتحانات من خارج غزة خلال العامين الماضيين.