قائمة الموقع

من عميل إلى مؤسِّس قسم في الجيش... قصَّة غريبة لجاسوس تحدَّى الموساد

2025-10-14T21:50:00+03:00
صورة تعبيرية

واحدة من أكثر القصص غرابة وإثارة في عالم المخابرات الإسرائيلية، إذ بدأ حياته جاسوسًا لصالح الاتحاد السوفياتي داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، قبل أن يتحول لاحقًا إلى رائد في تأسيس منظومة الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي.

وفي تقرير مطوّل، استعرض موقع واينت نيوز التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت جانبًا من السيرة الذاتية لهذا الرجل الذي عاش حياته بين ولاءات متناقضة وهويات متعددة، حيث تنقّل من عالم التجسس والعمل السري إلى قاعات العلاج النفسي في مؤسسات الجيش.

وُلد أفني عام 1921 في مدينة ريغا عاصمة لاتفيا، تحت اسم وولف غولدشتاين، ونشأ في سويسرا وسط أسرة يهودية يسارية. وبينما انجذب معظم يهود جيله إلى الصهيونية، انجرف هو في الاتجاه المعاكس، مؤمنًا بالفكر الشيوعي ومتأثرًا بشقيقه الأكبر المنخرط في صفوف اليسار الماركسي.

وخلال الحرب العالمية الثانية، لفتت مهاراته اللغوية وولاؤه العقائدي أنظار الاستخبارات السوفياتية، التي جنّدته ودربته على إدارة الهويات السرية وتقنيات التجسس. ومع اقتراب قيام دولة إسرائيل عام 1948، أوكلت إليه موسكو مهمة اختراق الدولة الوليدة وبناء حياة كاملة داخلها لنقل أسرارها إلى الاتحاد السوفياتي.

حينها غيّر اسمه إلى زئيف أفني (الذئب بالعبرية، ترجمة لاسمه الأصلي “وولف”)، وهاجر إلى فلسطين مع زوجته وطفله، متقمّصًا دور المهاجر الصهيوني المثالي.

جاسوس في قلب الدولة الجديدة

بفضل ذكائه وقدرته على الاندماج، انضم أفني إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، ما أتاح له الوصول إلى وثائق دبلوماسية حساسة. وخلال خمسينيات القرن الماضي، خدم في سفارات إسرائيل في بروكسل وأثينا وبلغراد، حيث أرسل تقارير سرية إلى موسكو حول العلاقات العسكرية والسياسية لإسرائيل مع أوروبا.

لم يكن دافعه المال، بل قناعة أيديولوجية راسخة بالشيوعية وعداء عميق لما اعتبره دولة رأسمالية متحالفة مع الغرب. وتشير بعض التقارير إلى أنه تلاعب لاحقًا في تفاصيل عملية “ديموقليس”، وهي حملة نفّذها الموساد عام 1962 لإحباط مشروع العلماء الألمان الذين عملوا على تطوير صواريخ لصالح مصر الناصرية.

انكشاف السر وسقوط الجاسوس

في عام 1956، نجح رئيس الموساد آنذاك إيسر هارئيل في كشف أمر أفني عبر حيلة نفسية غير مسبوقة.

فخلال لقاء اعتيادي في "تل أبيب"، لاحظ هارئيل إشارة غامضة في كلامه، فاستدعاه لاحقًا إلى مكان معزول، وأقنعه بأن لدى الموساد أدلة دامغة على تجسسه، رغم عدم وجود أي دليل فعلي.

تحت الضغط النفسي المكثف، انهار أفني واعترف بكل شيء، ليقول له هارئيل ببرود: “لم نكن نعلم، أنت من أخبرنا.”

أُدين أفني بالتجسس في محاكمة سرية وحُكم عليه بالسجن 14 عامًا، لتبدأ في السجن مرحلة جديدة غيّرت مسار حياته بالكامل.

من الإيمان بالشيوعية إلى علاج النفوس

خلف القضبان، قرأ أفني خطاب الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف الذي أدان جرائم ستالين، فبدأت قناعاته الأيديولوجية بالتفكك. زاد من انهياره النفسي زيارة شقيقه الذي وبّخه قائلاً: “بعد ألفي عام نحصل على دولة، وأول ما تفعله هو محاولة تدميرها؟

في السجن، وجد خلاصه في علم النفس، فدرس وتخرّج بشهادة جامعية، معتبرًا العلاج النفسي وسيلته “للتكفير عن الذنب”. وبعد عشر سنوات نال عفوًا رئاسيًا وخرج من السجن، ليبدأ حياة جديدة مختلفة تمامًا عن ماضيه.

من عميلٍ إلى مؤسس قسم نفسي في الجيش

خلال حرب أكتوبر 1973، تطوّع أفني للعمل كأخصائي نفسي ميداني في جبهة سيناء، مقدّمًا الدعم للجنود الذين يعانون من الصدمات وفقدان الرفاق.

وساهم لاحقًا في تأسيس قسم الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي، ليصبح أحد أبرز المختصين في هذا المجال داخل المؤسسة العسكرية.

وفي سنواته الأخيرة، نشر مذكراته بعنوان “الراية الكاذبة” بالاشتراك مع محقّقه السابق يهودا براغ، كاشفًا فيها رحلته من الجاسوسية إلى العلاج النفسي. عاش ما تبقى من عمره بعيدًا عن الأضواء حتى وفاته عام 2007، تاركًا وراءه إرثًا مثيرًا للجدل بين الخيانة والخلاص.

اخبار ذات صلة