بتصريحاته المغرورة وأخرى المتعجرفة، لم يتوقف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تهديداته المتكررة ضد قطاع غزة وأهدافه العلنية وغير العلنية من وراء حرب الإبادة الجماعية.
وتكرارا ردد المجرم "نتنياهو" المطلوب للجنائية الدولية أهدافه للحرب على غزة: القضاء على حكم حماس وقوّتها العسكرية، استعادة المحتجزين الإسرائيليين عبر القوة العسكرية، تغيير الواقع الأمني والسياسي في غزة، ولاحقا وضع أهدافا أخرى: كاحتلال غزة، وإنشاء إدارة مدنية لا تتبع لحماس ولا للسلطة، وإعادة البناء الاستيطاني داخلها.
وذهبت حكومته اليمينية المتطرفة إلى أبعد من ذلك في أهدافها للحرب التي حصدت أزيد عن 67 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأكدت على احتلال غزة والدفع نحو تهجير سكانها إلى الخارج وإعادة بناء المستوطنات على أراضيها.
وعمليا، صدّق المجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي (الكابينت) في 23 آذار/ مارس 2025 على إقامة مؤسسة حكومية إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من غزة، أُطلق عليها اسم "مديرية نقل سكان غزة طوعيا إلى دول أخرى". ووصف وسائل إعلامية عبرية القرار "سابقة في تاريخ" مخططات الحكومات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، التي دأبت دومًا على إبقاء مثل هذه القرارات سرية.
"تخبط وفشل إسرائيلي"
وبتصور مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات د. محسن صالح، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة تأتي ضمن ثلاثة مستويات: أعلى، وسط، أدنى وبحسب إمكانية التحقيق، ويكمن الأول بمشاريع احتلال القطاع وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن أمام حالة "نتنياهو" الغارقة في "الإنكار" وعدم الواقعية فهذا لم يؤدي إلا إلى المزيد من التخبّط وفقدان الاتجاه ودفع المزيد من الأثمان والخسائر الإسرائيلية داخل غزة وخارجها، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التخلي عن خطته "ريفيرا" والتدخل المباشر في الدفع نحو عقد صفقة مع حماس في محاولة لـ"إنقاذ (إسرائيل) من نفسها".
وعقب توليه الحكم في البيت الأبيض يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن "ترامب" عزمه تهجير سكان غزة وإعادة تطويرها لتصبح منتجعا ساحليا دوليا على غرار "الريفييرا"؛ الأمر الذي أثار ردود فعل صادمة من الفلسطينيين ورفضا عربيا وغربيا، لما اعتبروه تطهيرا عرقيا، وخطوة غير شرعية بموجب القانون الدولي.
وسلّط صالح في حديثه لصحيفة "فلسطين" الضوء على الفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة: أبرزها الفشل الذريع في "سحق حماس"، احتلال غزة، تحرير الأسرى الإسرائيليين عبر القوة العسكرية، تهجير الفلسطينيين، إعادة البناء الاستيطاني، رغم استخدام أشكال القتل والتدمير الوحشية.
وفي مقابل ذلك، حافظت المقاومة على شموخها وأدائها الأسطوري طوال 735 يوما من الحرب الوحشية، ومع هذا الفشل، سقطت أبرز ثلاث فرضيات بنى عليها الاحتلال توقعاته: فرضية سحق حماس والمقاومة، فرضية عزل وفصل الحاضنة الشعبية وتحويلها إلى بيئة معادية للمقاومة، فرضية المراهنة على الزمن لإنهاك المقاومة.
وقال: لا المقاومة ضعفت، ولا الحاضنة الشعبية تخلَّت عن المقاومة، بل ازدادت حولها التفافًا، بل إن أداء المقاومة دام حتى اليوم الأخير من الانسحاب الجزئي لجيش الاحتلال من عدة أماكن ومحور "نيتساريم" الذي حولته المقاومة لـ"محور رعب".
وأضاف: لعل "الذهول" سيد الموقف لدى الكثير من القادة الإسرائيليين والغربيين السياسيين والعسكريين؛ لأنه بحسب التقارير فإن الأسلحة والمتفجرات التي استُخدمت في حرب الإبادة تكفي لتدمير غزة عشر مرّات، وتوازي استخدام نحو سبع قنابل نووية من تلك التي ألقيت على هيروشيما.
وتطرق إلى ظهور العديد من الأدلة الميدانية على الفشل الإسرائيلي كاستمرار حماس في القدرة على الإمساك بمنظومة "التحكّم والسيطرة" في إدارة العمل المقاوم، وإدارة البيئة الشعبيّة، مع ظهور المزيد من الأدلة على تعافي حماس واستعادتها زمام السيطرة في الأماكن التي انسحب منها المحتل، "وهذا ما يقود إلى عبثية الحرب العسكرية الإسرائيلية"، بحسب ما توصل إليه الكثير من السياسيين والعسكريين والخبراء والمتخصصين داخل الكيان.
وأعلن "ترامب" سابقا في تصريحات صحفية أنه قال لـ"نتنياهو": "(إسرائيل) لا يمكنها أن تقاتل العالم وهو يفهم ذلك جيدا"، وذلك في إشارة إلى حجم التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية ونبذ الكيان الإسرائيلي وجرائمه الوحشية.
"ورطة عسكرية"
وبموجب الاتفاق الذي عقد في مدينة شرم الشيخ، فإن المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بضمانة مصرية وقطرية وتركية يشمل انسحاب جيش الاحتلال من التجمعات السكنية داخل غزة و"محور نيتساريم" في البداية وصولا للانسحاب الكامل.
وبهذا الانسحاب، تذهب أطماع اليمين المتطرف التي عبر عنها رئيس حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أدراج الرياح بعدما كرر حديثه بلا مواربة "غزة جزء لا يتجزأ من (إسرائيل)".
ومن وجهة نظر، اللواء العسكري المتقاعد واصف عريقات فإن هذا الانسحاب يعكس عمق الأزمة الإسرائيلية وفشل الخطط العسكرية التي نفذها الجيش خلال حرب الإبادة باستثناء القتل والدمار والإبادة الجماعية.
وتطرق عريقات في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى "خطة الجنرالات" التي كان أحد أهدافها تهجير سكان شمال القطاع إلى جانب خطة "عربات جدعون 1"، "عربات جدعون 2".
وأكد أن ما دفع جيش الاحتلال للانسحاب هو ثبات وصمود المقاومة وقدرتها على مواصلة القتال بمختلف الأساليب والتكتيكات العسكرية إلى جانب الصمود الشعبي أمام خطط الاحتلال السياسية والعسكرية.
وأشار إلى أن الاحتلال أراد من وراء محاوره العسكرية داخل القطاع فرض سيطرة ميدانية وتحكم عسكري، لكن المقاومة استطاعت تنفيذ عمليات هجومية داخل هذه المحاور وصولا لفرض واقع مختلف على الجيش ووحداته العسكرية.
وكان العميد إيرز فاينر، وضع خطة احتلال غزة عندما كان رئيسا لقسم العمليات في اللواء الجنوبي للجيش، بعد عام من الحرب على غزة وتحديدا عندما كان رئيس الأركان هيرتسي هليفي.
وتحمّس لها آنذاك "نتنياهو" ورأى فيها أداة لتحقيق أهدافه، وتمسك بها بل تشبث بها، وطلب إقرارها وتنفيذها، لكن هليفي رفض ذلك، لأنه وجد فيها ورطة للجيش وكان هذا الرفض من أهم أسباب دفع هليفي إلى الاستقالة.
"اتفاق بلا نصر"
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" إنه رغم حديث "نتنياهو" المتكرر حول "شروطه الخمسة" لإنهاء الحرب على غزة، فإن الوثائق الرسمية والاتفاقات التي أبرمت تكشف عن "تنازلات جوهرية" وتراجع عن معظم تلك الشروط.
وأوضحت الصحيفة العبرية أن الاتفاق الموقع في شرم الشيخ يظهر أن حماس لم تُجبر على نزع سلاحها، وأن (إسرائيل) لم تحصل على سيطرة أمنية شاملة على غزة، ولم تُشكّل أي حكومة بديلة حتى الآن.
وتساءلت: لماذا تأخر التوصل إلى الاتفاق رغم إمكانية ذلك قبل أشهر؟ لماذا يُسوّق الاتفاق كنجاح مطلق بينما تضمن تنازلات كبيرة؟ ولماذا لم يُطلع الرأي العام على بنوده الحقيقية؟
ووصف محلل الشؤون العسكرية في "القناة 13" ألون بن دافيد، الحرب ضد حماس بأنها "الأطول والأصعب في تاريخ (إسرائيل)"، وأفاد بأن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 1972 شخصا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم 913 جنديا، إضافة إلى أكثر من 30 ألف مصاب منهم أكثر من 10 آلاف تم تشخيصهم بإصابات نفسية.
أما الرائد في الاحتياط جلعاد آخ (رئيس حركة جنود احتياط حتى النصر) أقر بأن الجيش فشل رغم كل قوته في القضاء على حماس، مشيرا إلى أن الأخيرة بقيت صامدة رغم الحرب الواسعة التي طالتها، واصفا في الوقت ذاته هذا الصمود بمثابة بمثابة "إخفاقا عسكريا وتاريخيا لـ(إسرائيل)".