قائمة الموقع

"اتفاق وقف إطلاق النَّار" في غزة بين إنجاز الصمود وآفاق الحل السياسي

2025-10-10T08:26:00+03:00
"اتفاق وقف إطلاق النَّار" في غزة بين إنجاز الصمود وآفاق الحل السياسي
فلسطين أون لاين

بعد أكثر من عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، التي خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ودمارًا هائلًا في البنية التحتية، دخل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير حيّز التنفيذ برعاية مصرية وقطرية، وبتنسيق أممي، ليضع حدًا مؤقتًا لأصوات القصف والتدمير، ويمهّد لمرحلة سياسية جديدة تتباين حولها القراءات بين الأمل والحذر.

يحمل الاتفاق في طيّاته مؤشرات سياسية وإنسانية غير مسبوقة، ويكشف عن تحولات في ميزان القوى الإقليمي والدولي، كما يعيد تسليط الضوء على غزة بصفتها رمزًا للصمود لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية تتعلق بمستقبل فلسطين.

وينص الاتفاق على وقف شامل ومتبادل لإطلاق النار، وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية، والشروع في ترتيبات ميدانية لانسحاب قوات الاحتلال من مناطق التماس، إلى جانب تفاهمات حول ملف الأسرى، وبدء مشاورات بشأن إعادة الإعمار.

ورغم تحفّظات الاحتلال ومحاولاته تقييد البنود التنفيذية، فإن موافقته على الهدنة جاءت تحت ضغطٍ دولي متزايد، وانتقادات داخلية حادّة لفشل جيشه في تحقيق أهدافه المعلنة.

في المقابل، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من فرض معادلة ردع سياسية وميدانية جديدة، بحيث أصبح الأمن الإسرائيلي مرتبطًا برفع الحصار وتحسين الظروف المعيشية لسكان القطاع، وهو تطوّر غير مسبوق في طبيعة المواجهة.

تحول استراتيجي

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، د. رائد نعيرات، أن الصورة الكاملة للاتفاق ما زالت تتشكّل، لكن ما تحقق حتى الآن يشير إلى تحول استراتيجي في طبيعة الصراع.

ويقول نعيرات لـ "فلسطين أون لاين": "من أجل الحديث عن الاتفاق بصورته النهائية، يجب أن تكتمل الصورة في الأيام القادمة. صحيح أن النتائج لا ترقى إلى ما كانت تطمح له المقاومة، لكنها تمثل مكاسب مهمة، أبرزها وقف الإبادة، وعدم قدرة جيش الاحتلال على الاستمرار في الحرب أو الخروج الآمن من القطاع."

ويضيف أن الأهم في هذه المرحلة هو أن الاتفاق يفتح الباب أمام بعد سياسي جديد قد يقود إلى الحديث عن حلٍّ شامل للقضية الفلسطينية، موضحًا أن "انخراط دول عربية وإقليمية في الدفاع عن القضية الفلسطينية من جديد يشكّل تحولًا في الموقف العربي بعد سنوات من الانكفاء".

ويشير إلى أن من أبرز إنجازات هذه المرحلة "خروج عدد من الأسرى، ونجاح المقاومة في كسر السردية الإسرائيلية على المستوى الدولي".

ووفق نعيرات، فإن الاتفاق أعاد الاعتراف بالمقاومة كطرفٍ لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات أمنية، وهو ما يمثل تحولًا جوهريًا في الموقف الدولي، إذ لم تعد المقاومة تُعامل كتنظيم هامشي، بل كفاعلٍ سياسي وشريكٍ في صياغة المستقبل الفلسطيني.

إنجاز سياسي وإنساني

من جانبه، يرى مدير مركز "يبوس" للدراسات والاستشارات الاستراتيجية، سليمان بشارات، أن الاتفاق يمثل "إنجازًا كبيرًا"، رغم أن ملامحه الكاملة لم تتضح بعد.

ويقول بشارات لـ "فلسطين أون لاين": "النقطة الأهم أن وقف الإبادة بحد ذاته إنجاز، لأن نتنياهو واليمين الإسرائيلي سعوا لجعلها حربًا أبدية ضد الفلسطينيين. الاتفاق كسر مشروع التهجير الذي حاول الاحتلال فرضه، وأغلق الباب أمام الرؤية الأيديولوجية الإسرائيلية القائمة على اقتلاع الفلسطيني من أرضه."

وأوضح أن الاتفاق مكّن الفلسطينيين من تثبيت وجودهم السياسي والجغرافي، وأجبر (إسرائيل) على الاعتراف بالمقاومة كطرفٍ رئيسي في المفاوضات، مضيفًا: "لأول مرة نرى جميع الوسطاء الإقليميين والعرب يتعاملون مع المقاومة مباشرة، وهذا اعتراف سياسي صريح بدورها."

وأشار بشارات إلى أن الاتفاق حقق أيضًا إنجازًا مهمًا في ملف الأسرى، خصوصًا الإفراج عن المحكومين بالمؤبدات، وهو مطلب وطني لطالما كان في صلب خطاب المقاومة.

ويرى أن الاتفاق عكس كذلك حالة العزلة الدولية التي تعيشها (إسرائيل)، موضحًا أن "تراجع الدعم الغربي والأمريكي للعدوان، وازدياد الأصوات المنتقدة له داخل الولايات المتحدة، كانا من أبرز دوافع وقف الحرب".

ويتابع: "هذه التحولات لم تأتِ بلا ثمن، فقد دفع الفلسطينيون أثمانًا باهظة من الشهداء والدمار، لكنها جزء من الحالة التحررية التاريخية أمام مشروع استعماري عمره أكثر من سبعين عامًا."

أما على الصعيد الدولي، فقد أعاد الاتفاق تموضع القضية الفلسطينية في قلب الخطاب الإنساني والسياسي، بعد أن كشفت الحرب حدود السردية الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، ولا سيما في الغرب، حيث تصاعدت الحملات التضامنية والمظاهرات الداعمة لغزة، بحسب بشارات.

اخبار ذات صلة