فلسطين أون لاين

أين كنتَ يوم الـ7 من أكتوبر؟ مواطنون ينعشون ذاكرتهم باللحظات الأولى لـ"طوفان الأقصى"

...
أين كنتَ يوم الـ7 من أكتوبر؟ مواطنون ينعشون ذاكرتهم باللحظات الأولى لـ"طوفان الأقصى"
غزة/ يحيى اليعقوبي

لم تتسع قلوب أبناء قطاع غزة للحظات الفرح التاريخية التي أدخلتها المقاومة عليهم، التي طالما تشوّقوا إلى أن يعيشوا إرهاصات التحرير خلالها. ولم تتسع نظراتهم لتأمل مشاهد لم يحلموا أن يروها حتى في أحلامهم، وكأن تلك الصور جاءت من عالم الخيال وتحولت إلى واقع.

لم يتخيّل أيٌّ منهم أن يرى المقاومين يتجوّلون بمركباتهم العسكرية داخل المستوطنات الإسرائيلية، أو يسمع دويّ رصاصهم هناك، وأن يعود المقاومون إلى غزة وهم يحملون غنائم لا تُحصى.

تعددت مشاهد الفرح في غزة؛ فتسابق الناس إلى صعود دبابة دمرتها المقاومة شرق خان يونس، واعتلوا ظهر مركبة عسكرية إسرائيلية من نوع "هامر" أعادها المقاومون، ورفعوا شارة النصر، وهللوا وكبروا كأن المعركة قد حُسمت منذ بدايتها.

في الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر، أنعش مواطنون ذاكرتهم بنبش تلك المشاهد التي لم تُمحَ، وانتشر سؤال: "أين كنتَ يوم الـ7 من أكتوبر؟" على منصات التواصل الاجتماعي، وهو السؤال الذي أعادت صحيفة "فلسطين" طرحه على جمهورها.

ورغم اختلاف تفاصيل ما عاشه كل شخص في غزة، فإنهم جميعًا استيقظوا على أصوات رشقات المقاومة التي لم تتوقف لساعتين متواصلتين. كان معظم الأهالي يستعدون لإرسال أبنائهم إلى المدارس أو الذهاب إلى أعمالهم وجامعاتهم، ولم يفهم أحدٌ ما يجري، حتى أولئك الذين شاهدوا مركبات المقاومة تعود وهي تقلّ الجنود الأسرى من داخل المواقع العسكرية الإسرائيلية. لم تتضح الصورة كاملة إلا حين ألقى قائد أركان كتائب القسام الشهيد محمد الضيف بيان انطلاق معركة "طوفان الأقصى".

رشقات أيقظت الجميع

يصف أحمد الخطيب اللحظات الأولى بقوله: "كانت لحظات عجيبة جدًا. كنت نائمًا منذ ساعة فقط، واستيقظت على صوت الرشقات الصاروخية من كل حدب وصوب، فحاولت معرفة سبب ذلك لكن الإنترنت لم يسعفني. تحركت نحو مخبزنا في منطقة جباليا البلد، وهناك رأيت الأعاجيب: جيبات وسيارات تابعة للمقاومة ذاهبة نحو الشرق وأخرى عائدة، مع تغريدة للقسام بأن الضيف سيدلي ببيان بعد قليل."

وأضاف الخطيب لصحيفة "فلسطين": "لم نفهم الأمر بوضوح، لكنها كانت لحظات تاريخية ليتها تتكرر كل يوم وساعة. سريعًا فتحت سماعة كبيرة على باب المخبز وبثثت تكبيرات العيد وأناشيد المقاومة، وبصفتي ناشطًا على مواقع التواصل بدأت أنشر المقاطع والصور القادمة من غلاف غزة بشكل متتابع وسريع. كانت الصورة تتضح شيئًا فشيئًا، ومشاهد الأسرى في شوارعنا كانت أمرًا غير مسبوق في تاريخنا الحديث."

ورغم نجاح الهجوم التاريخي، ظلّت أسئلة كثيرة تراود الخطيب عن كيفية تحقيق ذلك النجاح رغم وجود منظومات الجيش الاستخباراتية وأجهزته الأمنية وعملائه وأنظمة المراقبة والجدار الفاصل، إلى جانب المواقع العسكرية التي ترصد كل حركة في غزة.

يقول الخطيب: "لم تمر لحظات طويلة حتى رأيت جيبات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، غنمتها المقاومة، تتجول في شوارع غزة وهي تقلّ العديد من جنود الاحتلال. كان مشهدًا مهيبًا احتضن فيه الأهالي المقاومة والتفوا حول المقاومين وسط هتافات التكبير والفرح بالنصر على أمل الفتح. بدأتُ أحلم بأننا على بُعد ساعات قليلة من الصلاة في المسجد الأقصى."

ويضيف: "أكثر ما لن أنساه هو مشهد انضمام الفصائل الفلسطينية الأخرى إلى المعركة خلف مقاومي القسام رغم عدم علمهم المسبق بالهجوم والخطة، فخاضوا القتال دون تنسيق سابق، وكان مشهدًا تختلط فيه الألوان والرايات. ما أجمل عودة المقاومين رافعي الرؤوس يتوسطهم جندي أو ضابط إسرائيلي مطأطئ الرأس، لتحطم هيبة الجيش المزعوم."

أصوات فرح

وكحال معظم الأهالي، استيقظت آية يحيى صباح السابع من أكتوبر على أصوات الصواريخ المنطلقة نحو الأراضي المحتلة دون أن تدرك ما يجري، وتقول لصحيفة "فلسطين": "حينما شاهدت الأخبار عبر مواقع التواصل، وكانت الأحداث متسارعة، لم أصدق ما يحدث وفرحت كثيرًا حتى ظننا أنها نهاية الاحتلال. كانت من أكثر لحظات حياتي فرحًا."

وأضافت: "سرعان ما انقلبت الفرحة إلى خوف وحزن مع اندلاع الحرب. أكثر ما عالق في ذاكرتي هو شعور الفرح ودموعي التي سالت فرحًا برؤية فلسطين حرة. كانت فرحة لم تكتمل، لكني ما زلت على يقين أنها بداية لنصر محتوم."

وتؤكد آية في الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر: "رغم حرب الإبادة والفقد والقصف والنزوح المستمر، سأبقى مؤمنة بالمقاومة والقضية، فهي أملنا الوحيد. حتى لو تخلى عنها العالم كله، وكنت وحيدة، سأبقى معها ولو كلفني ذلك حياتي. خلال الحرب استشهد طفلي ولم تتغير قناعتي هذه."

"أجمل أيام حياتي"

في صباح ذلك اليوم، اضطرت أسماء – التي تُكنى "أم العبد" – إلى قطع وردها القرآني اليومي مع تصاعد الصراخ والتكبيرات وأصوات الانفجارات التي ظنّت في البداية أنها انفجارات وهمية لطائرات الاحتلال، كما اعتادت سماعها في الصباح.

تستذكر قائلة: "تصفحتُ الإنترنت عبر الهاتف فوجدت صديقة لي خارج فلسطين تسألني: هل هذه الصور فوتوشوب أم حقيقية؟ لم أفهم ما يجري. اتصلتُ بزوجي الذي يعمل مسعفًا وأخبرني بانطلاق المعركة، وطلب مني عدم إرسال الأولاد إلى المدرسة."

وتضيف: "تزامن السابع من أكتوبر مع يوم ميلاد ابنتي الكبرى وزفاف ابنة أخي. رأيت المشاهد وسجدتُ لله شكرًا وصلّيت ركعتين. بعد الساعة التاسعة نزلتُ إلى شارعنا قرب مفترق ’الترنس‘ بمخيم جباليا، ووجدت جيبات الاحتلال تتجول في شوارعنا. عشت أجمل أيام حياتي، كان يومًا من أعظم أيام الدنيا."

لكن سرعان ما تبدلت الأحوال؛ فبعد أقل من شهر على اندلاع الحرب قُصف منزلهم، واستُشهد زوجها، وبُترت قدم ابنتها وأصيب طفلها بالشلل، بينما أُصيب باقي الأولاد بجروح مختلفة. وهي الآن في تركيا لعلاج أطفالها.

تقول: "والله ما عجزنا ولا سخطنا، وما زلنا مع المقاومة حتى آخر نفس حتى ينصر الله غزة."

وتؤكد أن يوم السابع من أكتوبر سيبقى محطة مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وذكرى حيّة في وجدان كل فلسطيني، وفصلًا فارقًا في تاريخ المقاومة التي فرضت معادلات جديدة.

المصدر / فلسطين أون لاين