فلسطين أون لاين

​الإسراع في معاقبة القاتل يوقف جرائم الثأر

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

تعدّ ظاهرة الثأر من أخطر العادات السيئة والظواهر الاجتماعية الموروثة التي عانت منها المجتمعات البشرية، منذ قديم الزمان، عوضا عن أنها تعد من أخطر ما يهدد سلامة وأمن وسكينة المجتمعات.

غير أن الدين الإسلامي الحنيف، قضى على هذه الظاهرة المتبقية من بقايا الجاهلية، فشرع المولى عز وجل القصاص، وكذلك الدية، كما حث القرآن الكريم على العفو، وجميع تلك الأحكام تحفظ المجتمع الإسلامي من الانهيار.

أخطر الجرائم

أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية الدكتور زياد مقداد قال: "تنظر الشريعة الإسلامية إلى القتل على أنه من أخطر الجرائم وأشنعها، وأكثرها تأثيرًا سلبيًّا على المجتمع، فهذه الجريمة تتسبب في قطع الأواصر بين العائلات، وزيادة الأحقاد والكراهية والصراعات".

وأضاف لـ"فلسطين": "وأيضًا تؤدي جريمة القتل إلى فقدان الأمن المجتمعي في البلد الذي تكثر فيه، حيث يصبح الإنسان غير آمن على نفسه في حال انتشارها"، مبينًا أنه لفظاعة هذه الجريمة حدد القرآن الكريم لمرتكبها عقوبة شديدة لمنع انتشارها، وردعًا لمن يفكر بارتكابها، إذ قال (تعالى): "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا".

وبين مقداد أن القرآن وضع للقاتل أربع عقوبات أخروية، غير العقوبة الدنيوية، وهي: غضب الله عليه، وأن جزاءه جهنم، ولعنة من الله، وعذاب عظيم، وهذه العقوبات المتعددة إن دلت على شيء فإنها تدل على بشاعة هذه الجريمة.

وأشار إلى أن الإسلام سحب بساط الإيمان من تحت من يقتل أخاه المسلم، فقال (تعالى): "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَا"، وقال الرسول (عليه الصلاة والسلام): "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يشرك، أو يقتل نفسًا مؤمنة"، مذكرًا بقوله (تعالى): "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

اعتداء على شريعة الله

وقال عن قتل المسلم بغير وجه حق: "القتيل هو بنيان الله في الأرض، والاعتداء عليه هو اعتداء على شريعة الله، وإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول في الإعلان الإسلامي العظيم الذي خاطب فيه المسلمين: (إن دماءَكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)"، متابعًا: "كل هذه النصوص من القرآن والسنة تواترت لتحريم وتجريم قتل النفس".

وأضاف مقداد: "يجب على المسلمين في كل المجتمعات، وخاصة في غزة لما تعانيه من ويلات الاحتلال والحصار وأزمات متعاقبة؛ الترفع عن ارتكاب هذه الجرائم بأي وسيلة من الوسائل، وعلى كل الجهات الحكومية والإعلامية والخطباء والعلماء وأولياء الأمور أن يقوموا بدورهم في التوعية، وفي إظهار خطورة هذه الجريمة التي يعاقب عليها الله في الدنيا والآخرة".

وأكمل: "ولذلك كانت مشروعية القصاص وسيلة من وسائل العلاج ولمنع ارتكاب جرائم أخرى، وردع كل من تسول له نفسه الإقدام عليها، ولكن ينبغي أولًا زيادة الوعي بخطورة هذه الجريمة وعواقبها".

وعمّا حدث بين عائلتي "دعمش" و"أبو مدين" بين مقداد أنه لابد من الوصول إلى علاج، وهو الذي شرعه الله (سبحانه وتعالى)، والتحقق أكان القتل عمدًا أم خطأ، فكل جريمة لها عقوبة، ثم تحديد إلى ماذا سيلجأ: القصاص أم أن يعفو أهل القتيل، أم دفع الدية، لقوله (تعالى): "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، وقوله: "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان".

وقال: "لا ينبغي أن يأخذ أحد القانون بيده فيما يعرف بالثأر، فلا نريد أن نعيد روح الجاهلية إلى بلادنا، ولكن الأصل أن يتابع أهل الحل والعقد الأمر، وتنفيذ العقوبة بحق من يرتكب الجرائم، فإن تُرك الأمر للأفراد فستعم البلاد فوضى".

ولفت مقداد إلى أنه يجب أن يتحمل المُعتَدَى عليه ويصبر، ولا يتصرف أو يأخذ بالقصاص من تلقاء نفسه، حتى يصل الأمر إلى المختصين ويتابعوا القضية ويحددوا الدوافع، مشيرًا إلى أنه يتعين على الجهات المعنية الإسراع في التحقيقات، لأن التأخر في بت القضية يزيد من التوتر وقد يدفع أهل القتيل إلى الثأر.