قائمة الموقع

​وطنٌ في امرأة

2017-11-12T07:15:26+02:00

كدمعةٍ في عيون الفقراء، أو حلم في طريق البسطاء، ولربّما نسمة رفقٍ في قلوب المقهورين، هي الأمل في اسمِها وابتسامتِها وعينيها العربيّتين، والعصية على الألم والفشل، إنها "وطنٌ" تُجسّده امرأة قَضَت ثلاثة وثلاثين خريفًا منتظرةً ربيع التحرير لتُزهِر.

الشعر قطعةٌ منها، وهو الظل الأكبر من قامتها، إنه جواز السفر لعبورها عالم الخيال، سُجِن والدُها وأمضى طويلاً في سجون الاحتلال وهي في عمر الخامسة، فكان بُعدُه سبباً أساساً لأن يغرس في روحِها بذور الشعر ولهفة الكلمات، فتتحرر في عقلِها وتغرّد القصيدة تلو القصيدة.

تروي أمل أبو عاصي الملقبة بشاعرة الرّماد لـ"فلسطين": "أحببت والدي حبا عميقا، حبا موجعا امتزج بالشعور بالحرمان، حين فارقني في مراحل الطفولة، كنت بأمسّ الحاجة إليه حين انتزعه الاحتلال من بيتنا الدافئ، فصرت أتحدّى نفسي وحزني لأقدّم لوالدي مفاجأةً مميزةً، وأثبت للمحتلّ أنه لن يهزمنا، وأنَّ حبس أجسادِنا لا يحبس أقلامنا وحروفنا عن البوح". لقد كان سجن والدِها حدثاً مفصلياً في حياتها الشعرية.

جنون الحدث

في عمر الثامنة بدأت تستنشق الشعر وتتذوّق الكلمات، فقد سحرتها تفاصيل الكلمة، وجنون الأحداث، انطلقت تجمع سيل حروفها الهادئة والمائجة والعاصفة، لتصنع منها قصيدة تلو القصيدة وتخطّها في أربعة مجلدات بخط يديها، ثم خبّأتها في قلبِها قبل صندوقِها الخاص ليكون والدُها أول من يراها حين تلفظه القضبان..

تغنّى الوالدُ بأملِه وحروف كلماتِها فكان لها أروع ردٍّ على هديّتِها، فحلّقت من بعدها في عالم أوسع، كالطير في السماء صارت، إنها لم تكن في يومٍ إلا "شاعرة"، وُلِدت مع الشعر وستموت معه، تبتسم متحدثةً لفلسطين..

وتضيف: "الشعر في حياتي مقاومة، أن تقول للعالم هنا فلسطين، هنا معاناتنا، هنا أصواتنا، هنا إبداعنا المقبور، هنا شعبٌ يستحق الحياة، شعبٌ ما انفكّ يحاصر الحصار فينتصر عليه".

أمل أبو عاصي صاحبة ديوان "عندما يتعرّى النهر"، و"سفر الوقت"، ورواية "أربعة فصول للضباب"؛ شاعرة فلسطينية حصلت على ألقاب كثيرة منها "شاعرة العودة، وشاعرة المقاومة، وشاعرة الأسرى وغيرها.."، درست علم العروض والقافية ثم من بعدها توسعت قراءتها، ومع دخول الجامعة الإسلامية وفي تخصص اللغة العربية تحديدًا؛ بدأت تتضح ملامح كتابتها الشعرية وتظهر بصمتها الخاصة، توضح: "من بعدها أصبح الشعر أقرب إليَّ من حبل الوريد".

باتت أمل تعتني بملكتها الشعرية وتدرك أنها أصبحت الناطقة بعذابات وأوجاع المقهورين، وتعرف معنى المسئولية الواقعة عليها تماما، تعلق: "الشاعر لا يستحق هذا الاسم إلا إن استشعر المسئولية وتصرف في شعره وفقها".

بلقيس الشعر

إنها حرب بلا دم، صُنِعت لتوثق حرب الدّم، تلك التي تروي فلسطين بلا توقّف، تجفّ قليلاً ثم تعاود الفوران من جديد، تلك هي الكتابة الأدبية كما تراها أبو عاصي الحاصلة على وسام بلقيس في مسابقة مهرجان بلقيس العربية الدولي في الجزائر، وعلى لقب ودرع شاعرة الرماد بترتيب الأولى في مسابقة شاعر الرماد الدولية لشعر التفعيلة في موقع الفينيق الأدبي على المستوى العربي عام 2011.

وبالرغم من قدرة الصورة على التعبير، يبقى للكلمة قيمتها ورونقها وعمق تفاصيلها التي قد تختفي بين ألوان الصورة، فيأتي دور الأديب لينقلها للعالم بحبرِ قلمِه، توضح: "الصورة تندثر إن لم يوثّقها الكاتب وينقلها للعالم فخلف كل صورة حكاية وعالم مليء بالألم أو الفرح، إنها رمادية والكاتب هو من يلونها، خاصة تلك التي تُعرض على شاشات التلفاز في عجالة".

تكليف لا تشريف

وترى أبو عاصي أنّ الكتابة هي حالة ولادة حقيقية للنصوص، غير مبنيةٍ على قرار، تأتي بلا سابق تنبيه، تهطل على الكاتب كمواقيت الصلاة ولا تنتظر تأجيلاً".

لقد وهب الله أمل موهبةً، لم تكن لتستمر لولا الاعتناء بها بالتمرين والاطلاع والمحاولات الكثيرة، تعبر: "تلك الموهبة أمانة وتكليف وليست تشريفاً، فالمسئولية كبيرة على عاتق من وهبه الله إياها".

أبو عاصي تلقت العديد من الدعوات للمشاركة في مهرجانات دولية، فكان الحصار حاجزاً يمنعها من الخروج، لكن الحصار وإن أعاق الجسد عن الخروج لا يعيق الفكر عن الخيال والنطق والبوح، تعلق: "للشاعر أن يكتب في كل شيء وعن كل شيء، لكن خصوصية الشاعر الفلسطيني أن الوطن يحتل معظم كتاباته، ومع هذا فإنني أكتب في الله، في الوطن، في الأسرى، في الفقد، في الظلم، في القضايا الاجتماعية، في شهداء البحر، في الطفولة المشردة، في المرأة، في الحب، في كل شيء".

وتترك أبو عاصي نصيحة للشعراء خاصة الجدد منهم، تقول فيها: "لا تستعجلوا الدرب، لا تلتفتوا للمحبطين، اصدقوا النية، اطلبوا النقد واسعوا له، وإياكم أن تتأففوا منه، لا تكتبوا إلا ما تشعرون به صدقًا، لا تقارنوا أنفسكم بغيركم، القمة تتسع للكثيرين فلا تتزاحموا عليها، لا تتسرعوا في النشر، اتركوا القصدة تختمر، اقرؤوا ثم اقرؤوا ثم اقرؤوا، فدرب الشعر طويل، وأمانته ثقيلة، فكونوا على قدرها، إنه السر الذي لا يمنحكم بعضه إلا إن منحتموه كلكم".

اخبار ذات صلة