لبت تلك النفوس نداء حركتها، واستنشقت عبير لحظات حماسية دغدغت الوجدان، ففي فعالية انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التاسعة والعشرين، امتلأ مكان الفعالية بشارع عمر المختار وسط مدينة غزة بعشرات الآلاف من المحتشدين، لم تشغلهم الأمطار وبرودة الأجواء عن المشاركة، تردد ألسنتهم خلف المنادي "غايتنا الله، قدوتنا الرسول.. حركتنا حماس"، تبدو علامة السعادة والسرور على كل شخص منهم.
كانت الأجواء في انطلاقة حماس كاسمها حماسية أشعلتها أناشيد مزجت حب الوطن بالوفاء للشهداء والأسرى.
على قارعة الطريق، يحمل الشاب محمد مفتاح (21 عامًا) الراية الخضراء، بعد أن التقط أنفاسه، ماذا أقول؟ يتحدث مفتاح لصحيفة "فلسطين" التي أخذت من وقته قليلًا وأشغلته عن حماسه: "هذا عرس فلسطيني، فحماس حركة مشرفة تقود النضال الفلسطيني والمقاومة، طهرت قطاع غزة من عملاء الاحتلال".
يلوح وائل بلبل (23 عامًا) الذي يلاصق الشاب مفتاح، بالراية الخضراء وسط الأناشيد ذاتها، ليقاطعنا الحديث قائلًا: "حماس حركة مجاهدة، وكل من يقول إن شعبية حماس تتراجع مخطئ"، موصيًا الحركة بتطوير العتاد والأسلحة لتحرير فلسطين والعمل على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
أرزاق
في الانطلاقة، باعة يتجولون بين الناس يبيعون بعض الحلوى أو المسليات، وترى عربات أخرى لبيع المأكولات الشعبية، يبحثون عن رزقهم بين السيل الأخضر الذي يملأ مكان تنظيم الفعالية، فالانطلاقات التنظيمية بالنسبة لهم موسم بذاته، كان البائع رامي أحدهم، فيقول لصحيفة "فلسطين": "بالنسبة لنا نحن ننتظر الانطلاقة من العام للآخر، لأن العمل في هذا اليوم عن عمل شهر".
ما زال الكلام لرامي: "انطلاقة حركة حماس دائمًا تكون مميزة بالجماهير، لأن حشودها كبيرة، وهذا يزيد من رزقنا في هذا اليوم".
في مشهد جميل، طفلتان صغيرتان تسيران بجانب والدهما بدا عليهما الاستعداد التام للمشاركة في فعالية الانطلاقة معه، فهما تلبسان عصبة لكتائب القسام، ووشاح حماس الأخضر، تشع منهما الابتسامة والفرحة، يحدثنا والدهما عيسى جمعة (32 عامًا) أنه أحضرهما لرغبتهما الشديدة في المشاركة بالانطلاقة، بعد إصرارهما على المشاركة، رغم برودة الأجواء، فقامتا بالغياب وعدم الذهاب إلى المدرسة.
"لو كان إيش مكان بدنا نشارك".. قالتا له إياها، ولم يخفِ جمعة سعادته بأجواء الانطلاقة "الرائعة"، كذلك عبرت ابنته راما (8 سنوات) عن ما بداخلها في حديثها لنا بالقول: "أحب حماس".
في جنبات شارع عمر المختار بذات الاتجاهين، امتلأ واكتسى باللون الأخضر وبدأت نقاط الفراغ تمتلئ تباعا بأفواج الوافدين من مناطق مدينة غزة المختلفة، حينما أشارت عقارب الساعة إلى الواحدة ظهرا.
حضور نسائي
وعلى جانبي الطريق انتشرت النسوة يحملن أبناءهن، ويلوحن برايات حماس، وكانت روان حجاج (17 عاما) إحداهن، فتقول لصحيفة "فلسطين": "إن مشاركتي واجب نقدمه لحماس، التي قدمت التضحيات والإنجازات، فمشاركتي لتكثير سواد المسلمين ولإحياء ذكرى انطلاقة حماس".
"حماس الحركة الأقوى".. تؤكد بها أن حماس معادلة مهمة في القضية الفلسطينية، وتختم: "حماس جاءت لتحيي روح المقاومة في كل شاب وإنسان ينتمي إلى القضية، وجاءت لتكمل رسالة النبي حتى ينتشر الإسلام في كل مكان".
وتكاد لا تخلو زاوية أو مكان وسط الجماهير الحمساوية، إلا وهناك طفل يرتدي بزة عسكرية مع عصبة القسام وبندقية بلاستيكية، عبر لنا أحدهم وهو عبد الحميد رجب (9 سنوات) عن فرحته بالمشاركة وأنه يريد أن يصبح من أبناء القسام كي يحرر القدس.
سارة عسلية (24 عامًا) هي الأخرى ألبست ابنتها التي لم تبلغ العامين بزة عسكرية، تقول لنا عن سبب ذلك: "هذه رسالة نوصلها للعالم، أن قضيتنا إسلامية، وأن حركة حماس جمعت الشعب الفلسطيني على راية التوحيد"، وتزيد: "عندما ترتدي ابنتي البزة العسكري فهي رسالة أن المرأة لها دور وهي من تربي الشباب".
ولم تخف عسلية في حديثها أن سبب حبها لحماس بسبب تمسكها بالثوابت الفلسطينية، بعكس نهج المفاوضات الذي لم يأت بجديد للشعب الفلسطيني.
تحذير
"من تحت الأرض قادمون.. من لجج البحار قادمون".. في عرافة الحفل كانت شعلة أخرى تلهب حماس الجماهير والمشاهدين، تزامنت مع عرض عسكري لكتائب القسام شاركت فيه وحدات المشاة، والدفاع الجوي، والمدفعية، والقنص، والدروع, عرضوا قذائف موجهة ضد الدبابات والمدرعات، وأسلحة خفيفة ومتوسطة، وراجمات صواريخ، يوجهون رسائل: "إن الجحيم ينتظر كل من تسول له نفسه الاقتراب من غزة".
على فترات متقطعة كانت أصوات العرافة تعطي الجماهير المزيد من الحماس، ما بين الأناشيد الوطنية والحمساوية التي أذيعت في الحفل.
وخلال المهرجان تحدث الطفل إسماعيل محمود حماد الناجي الوحيد من محرقة إسرائيلية نفذتها قوات الاحتلال خلال حروبها على غزة، برسالة وجهها باللغة العبرية للإسرائيليين، قائلا: "إلى الشعب الصهيوني؛ الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم، حق العودة مقدس، فلسطين بلادنا الأم، أنتم لا مقام لكم على هذه الأرض".
"أنتم أيها الصهاينة نعل في أقدامنا".. ما زال يتحدث في رسالته، ثم تابع: "نفذتم مذابح ومجازر دير ياسين وأخواتها، ولكم أقول العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، قسما سأنتقم، أنتم قتلة مجرمون قتلتم أمي وأبي وكذلك إخوتي؛ دمرتم بيتي وقتلتم عائلتي، إن أردتم ألا أذبحكم فاتركوا فلسطين فورا وحالا وإلى الأبد وبلا رجعة".
في جنبات الطريق صادفتنا مجموعة من الفتيات يلبسن لثام أبو عبيدة الأحمر، هذا المشهد لفت انتباه الكثيرين، رنا محمد (32 عاما) قالت لنا: "إن الوشاح الأخضر الذي يحملنه، واللثام تيمنًا بالناطق باسم القسام أبو عبيدة، والشهيد القائد عماد عقل".
"حماس تجري في عروقي".. تصف حبها لحماس، متابعة: "إن أهل غزة رغم الحصار والدمار والظروف يؤيدون حركة حماس".
ولكبار السن نصيب في هذه الانطلاقة على غرار مثيلاتها من الانطلاقات، اختصرت أم جمال (60 عاما) حديثها أنها جاءت لتشارك بالانتصار والفرحة، بسبب الأمن والأمان الذي يعيشه أهالي القطاع، وتختم: "حماس أمل حياتنا، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".