يعاني قطاع غزة المحاصر منذ عشر سنوات وأكثر، أزمة مالية خانقة، ألقت بظلالها السلبية على شتى مجالات الحياة فيه، وما زاد الطين بلة، سياسات السلطة الفلسطينية وإجراءاتها العقابية التي فرضتها على القطاع قبل عدة أشهر.
ومن بين هذه الإجراءات فرض ضريبة مضاعفة على الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء، وتقليص ما تدفعه لـ(إسرائيل) مقابل ما تزود به القطاع من كهرباء بنسبة 45%، فضلًا عن خصم أكثر من 30% من رواتب موظفيها في قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من 50 ألف موظف، ومن ثم إحالة أكثر من 14 ألف موظف إلى التقاعد المبكر ولا يزال العدد في ازدياد.
سياسات خاطئة
وكان سلام فياض رئيس وزراء حكومة رام الله الأسبق، قال في تصريح لصحيفة ديلي نيوز الأمريكية، قبل أيام إن السلطة الفلسطينية متمثلة بالحكومة، لا تمتلك خطة مالية واضحة لمواجهة التحديات بقطاع غزة، وأن ما تدعيه السلطة عن وجود عجز مالي ما هو إلا نتيجة سوء الإدارة والمزاجية لدى المتنفذين في السلطة، مؤكداً أن ما تجبيه السلطة من غزة يكفي لدفع رواتب الموظفين العموميين كافة.
وهو ما اتفق عليه أيضاً، الخبير المالي نهاد نشوان، والذي أكد أن الخلل المالي وسوء إدارة السلطة الفلسطينية لسياساتها المالية، يدل على وجود فساد إداري ومالي.
واستدل في حديث له مع صحيفة "فلسطين"، على صحة كلامه، من خلال مقارنة حجم الدين العام على السلطة الفلسطينية في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي بلغ مليونًا و600 ألف دولار أما الآن فالرقم تجاوز الـ7 مليارات دولار.
وأشار نشوان إلى الرقم أعلاه، قائلاً: "نحن نتحدث عن زيادة في العجز يمكنها أنا تنشئ مدنًا بكاملها"، وتساءل: أين ذهبت هذه الأموال؟"، شارحاً أن هذا المبلغ كفيل بإعادة بناء كل قطاع غزة.
وأوضح أن الفساد الإداري للسلطة وسوء استخدام الأموال في قطاع غزة، انعكس على المواطن الغزي فأدى إلى انخفاض دخل الفرد إلى مستويات متدينة، وكذلك انخفاض حجم الخدمات العامة المقدمة للمواطن.
وتابع نشوان: "الأزمة تفاقمت ووصلت حد العجز والسلطة الفلسطينية نفسها تقول في تقارير سلطة النقد إنها تجاوزت قانون الدين العام، أي خرجت عن المألوف، ولا حل إلا بالتوصل إلى مصالحة وطنية جدية تضع على رأس أولوياتها تحسين الواقع الاقتصادي".
والجدير بالذكر أنه في بيان مجلس الوزراء الفلسطيني بشأن إقرار "الموازنة العامة لدولة فلسطين للسنة المالية 2016"، كشف عن غياب أية أرقام مالية مرصودة لمشاريع إعادة إعمار قطاع غزة.
فياض السبب
وفي سياق متصل، اتفق الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران، مع سابقه على وجود سوء إدارة مالية للسلطة، لكنه في الوقت ذاته حمّل "فياض" بصفته رئيسا سابقا للوزراء في رام الله، وشغل منصب وزير المالية لفترة من الزمن، عبء هذه النتيجة.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": من المضحك المبكي أن يتحدث فياض عن سوء الإدارة وهو الذي دمر الاقتصاد الفلسطيني عندما كان وزيراً للمالية، حيث استخدم أموال المتقاعدين المدنيين ولم يوردها إلى صندوق التقاعد ويتحدث عن سياسة إدارية".
وتابع الدقران: "السلطة بأكملها لا تمتلك خطة مالية مدروسة للمستقبل، بل إنها تسير بشكل عفوي وأموالها يتم نهبها باتجاهات غير واضحة"، وتساءل: "الأعباء المالية والديون الضخمة على السلطة الفلسطينية كانت في زمن فياض فأين كان؟".
وأكد أن السياسة المالية للسلطة متردية، ولا يوجد استراتيجية مالية للالتزامات المالية المطلوبة خلال السنوات المقبلة، وما تقوم به هو فقط حل آني للمشكلات القائمة دون تسكين للنهج العام.
وأشار الدقران إلى أن ما يتم تحصيله من المجموع الكلي للإيرادات الحقيقية لقطاع غزة، لا يتجاوز 18-20% فقط، وقال: "السلطة تفتقر للإدارة المالية الحكيمة، ولا تبحث عن بدائل بل تسعى إلى التسول الدولي وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني".
واقترح للخروج من الأزمة الحالية، تطبيق القانون التجاري الخاص بالضرائب والجمارك لتحسين الإرادات العامة، ووضع سياسات عامة لإدارة الأموال، واتباع سياسات التقشف في الوزارات.
ونبه الدقران إلى ضرورة اغتنام الثروات الطبيعية التي يمتلكها الشعب الفلسطيني وخاصة حقل الغاز الطبيعي في عرض البحر، والموارد الأخرى التي تدعم الموازنة العامة، مشدداً على ضرورة اغتنام أموال الضمان الاجتماعي التي بحوزة الاحتلال –تخص العمال الفلسطينيين- وقيمتها 16 مليار دولار حتى عام 2012.
يشار إلى أنه حسب برتوكول باريس الاقتصادي فإن أموال الضمان الاجتماعي لا تحول إلا إلى مؤسسة مختصة وهذه المؤسسة لم يتم تأسيسها إلا قبل بضعة أشهر، وهو ما دفع المحلل الاقتصادي "الدقران" للتساؤل:" لماذا لم تؤسس طيلة هذه المدة؟".
و"بروتوكول باريس" هو الإطار الذي تحدّدت في ضمنه العلاقات الاقتصادية بين دولة الاحتلال وبين السلطة الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، ووُقع في أيار 1994 وشكّل قسمًا من اتفاقية "أوسلو أ" التي وُقعت بعد عدّة أسابيع من ذلك.