دخل اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي عامهما الثاني والثلاثين، وسط واحدة من أعقد الأزمات التي يعيشها الفلسطينيون، ليس فقط بسبب التبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، بل أيضاً بفعل الحرب المستمرة على قطاع غزة وما خلّفته من دمار شبه كامل للبنية التحتية والاقتصاد هناك، مقابل واقع اقتصادي هش في الضفة الغربية يرزح تحت قيود الاحتلال.
يؤكد الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أن قطاع غزة لم يشهد منذ توقيع بروتوكول باريس أي فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي، بل كان الضحية الأبرز لسياسات الإغلاق والحصار. ويقول: "اليوم، الحرب الدائرة دمّرت ما تبقى من مقومات الاقتصاد في غزة؛ المصانع أُحرقت أو سُويت بالأرض، المزارع جُرفت، والبنية التحتية لم تعد قادرة حتى على توفير أبسط الخدمات."
ويضيف الدقران لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الاقتصاد كأداة ضغط وعقاب جماعي، ما جعل غزة تعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية والمواد المستوردة بشروط مشددة، وهو ما يقوّض أي إمكانية لتأسيس اقتصاد محلي مستقل.
ويشير إلى أن الوضع الحالي لا يقتصر على تدمير المباني والطرق فقط، بل يشمل أيضاً انهيار دورة الإنتاج والتصدير، حيث لم يعد القطاع قادراً على تسويق منتجاته الزراعية أو الصناعية، فيما أغلقت مئات الورش الصغيرة أبوابها بسبب الحصار ونقص المواد الخام.
أما في الضفة الغربية، فيصف الخبير الاقتصادي د. نائل موسى الوضع بأنه "اقتصاد يعيش على التنفس الاصطناعي". ويبيّن أن المناطق المصنفة (ج)، التي تشكّل أكثر من نصف مساحة الضفة، مغلقة أمام الاستثمار الفلسطيني، بينما المستوطنات تتمدد، والحواجز تعيق الحركة اليومية للعمال والتجار، في وقت تظل فيه المعابر تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويشير موسى إلى أن اعتماد عشرات آلاف العمال الفلسطينيين على العمل داخل الاحتلال يعكس هشاشة الاقتصاد المحلي، موضحاً أن أي قرار إسرائيلي بوقف تصاريح العمل ـ كما حدث بعد السابع من أكتوبر 2023 ـ يترك آلاف الأسر بلا مصدر دخل، ويعمّق أزمة البطالة والفقر.
ويضيف: "القطاع الخاص في الضفة يعاني من غياب بيئة مستقلة وآمنة للاستثمار، والسلطة الفلسطينية بدورها مكبّلة مالياً، تعتمد بشكل أساسي على أموال المقاصة التي تتحكم بها دولة الاحتلال، إضافة إلى المساعدات الخارجية المتذبذبة التي لا توفر استقراراً طويل الأمد."
عند توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي عام 1994، نصت أبرز بنوده على: السماح للفلسطينيين بإنشاء سياسة ضريبية خاصة بهم، وجمع الضرائب الجمركية والداخلية عبر السلطة الفلسطينية، وتسهيل حركة البضائع الفلسطينية عبر المعابر مع الأردن ومصر، دون قيود تعجيزية، وتمكين السلطة الفلسطينية من تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة بشكل مستقل، وضمان حرية حركة العمال الفلسطينيين نحو دولة الاحتلال، دون استخدام ذلك كوسيلة ضغط سياسي أو أمني، وتوريد الوقود والكهرباء للفلسطينيين بأسعار عادلة وبما يضمن احتياجات السوق المحلية.
لكن على مدار العقود الثلاثة الماضية، لم تُنفذ هذه البنود إلا بشكل جزئي، فيما استمر الاحتلال الإسرائيلي في التحكم بالمعابر والحدود والموارد، واستخدم الضرائب وأموال المقاصة كأداة ضغط، ما أفشل الهدف الأساسي من البروتوكول وهو بناء اقتصاد فلسطيني مستقل وقادر على النمو.