قائمة الموقع

التعطيش في غزة.. المواطنون يطاردون الماء تحت النار

2025-09-14T10:05:00+03:00
70% من محطات تحلية المياه في غزة خرجت عن الخدمة
فلسطين أون لاين

بدموعها تملأ جالونات المياه الفارغة منذ أيام عدة، هكذا بدت الأربعينية سناء المسلمي في طابور طويل من المعطشين بأحد مخيمات النزوح القسري وسط مدينة غزة، بينما تتساقط حمم الصواريخ الإسرائيلية وأوامر التشريد على رؤوس المدنيين العزل.

اغرورقت عيناها حتى أسكتت كلماتها، وألهبتها أشعة الشمس في انتظار دورها، علها تحظى ببضع لترات من مياه الشرب الشحيحة، بفعل سياسة تعطيش إسرائيلية بحق الأهالي جنبا إلى جنب التجويع والقتل في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الـ24 تواليا، والتي تصاعدت وتيرتها ضمن مخطط احتلال مدينة غزة.

بصوت متقطع، تقول سناء لصحيفة "فلسطين": إن الأزمة تفاقمت، وقد تقلصت شاحنات توزيع مياه الشرب الشحيحة أصلا، بسبب أوامر التشريد القسري الإسرائيلية، وبتنا ننتظر قدوم أي من تلك الشاحنات لمدة تصل أربعة أيام.

وزاد ذلك من المعاناة التي تعرك سناء وسائر النازحين في المخيم، وكبدها أعباء إضافية باضطرارها، كلما تأخرت الشاحنات، إلى البحث عن مياه الشرب وشرائها رغم ارتفاع ثمنها، إذ تبلغ تكلفة كل 16 لترا  أريعة شواقل.

لكن ثمة مأساة أكبر تشير إليها سناء وهي اضطرارها إلى خلط المياه المالحة بمياه الشرب، لعدم تمكنها من مجاراة شحها وارتفاع سعرها.

وهذه الأزمة التي تفتعلها (إسرائيل) تطال أيضا المياه المالحة التي يستخدمها الأهالي في الغسل، وعن ذلك تقول سناء: إنها تقطع مع طفلاتها الأربعة مسافة 1500 متر، وتصطف في طوابير ممتدة للحصول على القليل من هذه المياه، التي يوفرها أحد المتبرعين.

وفي طريق عودتها إلى خيمة النزوح، يثقل وزن المياه كاهلها، وينهك قواها، في مسلسل معاناة لا يتوقف، في وقت يعاني زوجها من المرض، وينشغل باقي أفراد الأسرة بمشاق الحياة الأخرى.

وسناء نازحة قسرا من بلدة بيت لاهيا، وقد قصف الاحتلال منزلها هناك، وأجبرها خلال الحرب المستمرة على النزوح عشرات المرات، آخرها وسط مدينة غزة.

 

وعن التهديد الإسرائيلي لأهالي المدينة وأوامر إخلائها، تقول سناء: "بدناش ننزح كلها موتة واحدة".

وتثقل الفواجع سناء التي لم تتمالك نفسها، وذرفت دموعها بسبب المعاناة اليومية، وأيضا لفقد أخيها الذي استشهد في أثناء تجهيز خيمة نزوح قسري في مواصي خانيونس التي يزعم الاحتلال أنها "آمنة".

ويتشارك الشاب عطا عثمان الهم ذاته مع المعذبين والمعطشين في غزة، وقد تكالبت عليه الأوجاع، ونكأ جراحه استشهاد أبيه، لكنه يجاهد نفسه لمطاردة المياه وتوفيرها لأسرته النازحة قسرا.

ويبدو الشاب كمن ظفر للتو بكنز ثمين بعد معركة محتدمة، بينما يحمل جالونين من المياه نجح في تعبئتهما أخيرا، ويتصبب عرقا من مشقة الانتظار والنقل، قائلا لصحيفة "فلسطين": إنه الآن بين نيران عدة، تبدأ بفقد أبيه، ولا تنتهي عند التعطيش.

سلاح حرب

يرزح عطا كما هو حال الأهالي في غزة تحت مأساة شح المياه في مدينة غزة مع استمرار الاحتلال في استهداف البنية التحتية المائية، واستخدام التعطيش سلاح حرب ضد أكثر من مليوني مواطن في القطاع.

ويذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن ما يزيد على 70% من محطات تحلية المياه في غزة خرجت عن الخدمة بفعل القصف ونقص الوقود، فيما تضررت شبكات المياه والصرف الصحي بشكل واسع، ما أدى إلى تسربات وتلوث خطير يهدد الصحة العامة. ويؤكد المكتب في بيان أصدره في 8 سبتمبر/أيلول، أن "تدمير مصادر المياه يفاقم من الوضع الكارثي، ويعرض المدنيين لمخاطر الأمراض والأوبئة".

أما منظمة أوكسفام، فتحذر من أن سكان مدينة غزة باتوا يحصلون على كميات لا تتجاوز 3 لترات من المياه يوميًا للفرد، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الإنساني الموصى به عالميًا (15 لترًا). وتؤكد المنظمة في بيان أصدرته في 11 سبتمبر/أيلول، أن "استخدام (إسرائيل) للمياه كأداة للضغط على السكان يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني".

بدورها، تحذر منظمة أطباء بلا حدود في تقرير نشرته في 5 سبتمبر/أيلول من أن النقص الحاد في المياه النظيفة وتدمير شبكات الصرف الصحي تسبب في ارتفاع غير مسبوق للإصابة بالأمراض الجلدية والمعدية مثل الجرب والإسهال المائي الحاد، مؤكدة أنها لم تتمكن إلا من إدخال جزء ضئيل من المواد اللازمة لتحلية وتعقيم المياه بسبب قيود الاحتلال.

وتقر الأمم المتحدة بأن "حرمان المدنيين في غزة من المياه والغذاء يرقى إلى استخدام الحصار كسلاح حرب"، داعية في في بيان صحفي في 12 سبتمبر/أيلول، إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة وتوفير وصول آمن للمساعدات.

وبين مطاردة شاحنات المياه تحت النار، وفقدان الأحبة والمنازل، يعيش أهالي غزة حصارا مضاعفا؛ فالماء الذي يفترض أن يكون حقا طبيعيا صار سلاحا قاتلا، يهدد الحياة اليومية كما يهددها القصف.

اخبار ذات صلة