قائمة الموقع

ريم وبناتها الثلاث.. صمتٌ يلتهم طفولتهن تحت الحرب

2025-09-04T08:54:00+03:00
ريم وبناتها الثلاث.. صمتٌ يلتهم طفولتهن تحت الحرب
فلسطين أون لاين

داخل خيمة ضيقة منصوبة في دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس ريم أبو عوجة (39 عامًا) محاطة بأطفالها الستة، لكنّ معاناتها الأشد تتمحور حول ثلاث من بناتها اللواتي خطفتهن حرب الإبادة من حضن الطفولة إلى هاوية العزلة والمعاناة.

ريم، الأم التي تكافح منذ سنوات لتربية أبنائها، تقول إن الحرب لم تترك لها متنفسًا ولا لبناتها فرصة للنجاة. "كل شيء ضاع.. لم يعد هناك بيت، ولا دواء، ولا مدارس، ولا حتى أمل بسيط بالعودة لحياة عادية"، تقول وهي تحاول تهدئة دموع سجود الكبرى.

سجود.. عزلة الصمت

سجود (19 عامًا)، البنت البكر، كانت في بداية شبابها حين فقدت سماعتها الطبية أثناء القصف على حي الشجاعية شرق غزة، لم تتمكن العائلة من إصلاحها أو الحصول على بديل بسبب منع الاحتلال دخول الأجهزة الطبية المساعدة، ومنذ ذلك اليوم غاصت الفتاة في صمتٍ قاسٍ، لم تعد تسمع أصوات إخوتها، ولا حتى همسات أمها.

تحكي ريم بصوت مرتجف لـ "فلسطين أون لاين": "ابنتي أصبحت شبه غريبة، تعيش عالمًا آخر بلا صوت، انعزلت عن كل من حولها، ترفض المشاركة في أي نشاط، حتى الطعام تأكله بصعوبة، أشعر أن الحرب سرقت منها حياتها قبل أن تبدأ".

سجود، التي كانت تضحك وتغني قبل الحرب، أصبحت جالسة معظم الوقت في ركن الخيمة، عيناها غارقتان في البعد، تقول أمها: "الاكتئاب يلتهمها، لم تعد ابنتي هي نفسها، كأن الحرب اغتالت روحها".

سجى.. الجسد الهزيل

سجى (15 عامًا) لا تعاني فقط من فقدان السمع، بل من سوء تغذية حاد أيضًا. حرمتها الحرب من الغذاء والفيتامينات والأدوية التي كانت تحتاجها، جسدها نحيل جدًا، عظامها بارزة تحت بشرتها الشاحبة.

"وزنها انخفض بشكل مخيف، كل يوم أراها تضعف أكثر"، تقول ريم "أحيانًا تجلس لساعات بلا طاقة للحركة، وأحيانًا تغيب عن الوعي فجأة، كنت أحرص على إعطائها حليبًا خاصًا وفيتامينات قبل الحرب، أما الآن فكل شيء اختفى".

غياب الغذاء الكافي جعل سجى عرضة لهشاشة العظام وضعف المناعة، كل زكام بسيط يتحول إلى مرض طويل الأمد، ريم تصف شعورها بالعجز: "أشاهد ابنتي تتآكل أمامي ولا أستطيع أن أقدّم لها شيئًا".

جنى.. الطفولة المسروقة

أما جنى (10 أعوام) فهي الأصغر، لكنها الأكثر هشاشة. تعاني من هشاشة العظام وفقدان الوزن، إذ لا يتجاوز وزنها 15 كيلوغرامًا، رغم عمرها الذي قارب العاشرة.

جنى، بخلاف شقيقاتها، لا تتوقف عن البكاء. تتنقل بين المستشفيات في محاولات يائسة لإنقاذها، لكن نقص الأدوية والرعاية يضاعف وضعها.

"تكره المدارس والمبادرات التعليمية، ترفض الجلوس مع الأطفال، تشعر بأنها مختلفة وضعيفة"، تروي أمها.

الطفلة التي كان من المفترض أن تلعب مع صديقاتها، تجد نفسها عالقة بين الألم والحرمان، كل حركة بسيطة تكلفها وجعًا شديدًا، ريم تقول: "كنت أحلم أن أرى ابنتي الصغيرة تكبر وتلعب.. لكن الاحتلال سرق حتى أحلامنا الصغيرة".

معركة البقاء

ريم لم تحمل عبء الحرب وحدها فقط، بل تحمل أيضًا مسؤولية تربية أطفالها الستة بعد انفصالها عن زوجها، تقول إنها تشعر وكأنها تُركت وحيدة في معركة لا تنتهي.

"لا سند، لا بيت، لا راتب، كل شيء يعتمد على صدقات بسيطة أو مساعدات متقطعة،لكن بناتي بحاجة إلى ما هو أعقد بكثير: سماعات، دواء، غذاء، تعليم خاص".

تصف شعورها بالعجز الدائم: "أحيانًا أجد نفسي أبكي بحرقة بعد أن يناموا، ماذا أقول لابنتي عندما تطلب سماعتها الطبية الجديدة؟ ماذا أقول لابنتي الجائعة؟".

قصة ريم وبناتها ليست حالة فردية، بل نموذج لمعاناة آلاف العائلات التي تحرمها الحرب والحصار من أبسط مقومات العيش. الاحتلال يمنع دخول الأجهزة المساعدة كالسماعات الطبية والبطاريات والأدوية الخاصة، ويعرقل وصول الأغذية والفيتامينات اللازمة للأطفال.

هذا المنع حوّل حياة ريم وبناتها إلى سلسلة متواصلة من الحرمان: لا دواء، لا غذاء، لا بيئة تعليمية، ولا حتى مقومات للعيش بكرامة.

بين سجود الغارقة في الصمت، وسجى التي يتهاوى جسدها، وجنى التي تُسرق طفولتها، تقف ريم وحيدة، تحاول أن تكون جدارًا لأطفالها في وجه حرب لا ترحم. تقول: "بناتي لسن مجرد أرقام في قوائم المعاناة، إنهن أرواح تُعذّب كل يوم لأن العالم سمح للاحتلال أن يسحق أبسط حقوقهن".

وتضيف بصوت يختنق بالدموع: "كل ما أريده هو أن أرى بناتي يعشن كبقية أطفال العالم.. أن يسمعن، أن يتعلمن، أن يضحكن. هل هذا كثير؟".

اخبار ذات صلة