إعلاميًّا؛ تُوجَّه أصابع الاتهام لسلطات الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن قتل الرئيس ياسر عرفات قبل 13 سنة. وعلى أرض الواقع، يتساءل الجميع عن نتائج لجنة التحقيق المشكلة، وموعد بدء خطوات قضائية طال انتظارها.
"(إسرائيل) نشطت ضد (مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس) أحمد ياسين و(القائد الشهيد) عبد العزيز الرنتيسي وغيرهم في الوقت الذي بدا لنا مناسبا لتنفيذ ذلك، وسوف نتبنى النهج ذاته فيما يتعلق بعرفات، وسوف ننفذ قرارنا في الوقت الذي نراه مريحًا لنا". هذا ما صرح به رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في سبتمبر/أيلول 2004م.
ولطالما كان شارون يصف عرفات بأنه "إرهابي" داعيا إلى التخلص منه.
في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2004، أصيب عرفات بمرض غامض أثناء حصار جيش الاحتلال لمقره في رام الله، على خلفية أحداث انتفاضة الأقصى.
ولم ينجح أطباء مصريون وتونسيون في وقف تدهور الوضع الصحي، ما تطلب نقله إلى مستشفى "بيرسي" العسكري في باريس، حيث توفي لاحقا، دون أن يفصح أطباء المستشفى عن السبب الحقيقي لرحيله.
وتمثلت الأعراض التي ظهرت على الرئيس الراحل، غثيان يصحبه قيء وآلام في البطن، شخصها طبيبه آنذاك بإنفلونزا، لكن حالته استمرت في التدهور.
وطلبت سهى عرفات، أرملة الراحل، من أطبائه في مستشفى "بيرسي" عينات الدم والبول، غير أنهم امتنعوا عن ذلك، إلى أن تلقت إجابة من الشرطة العسكرية في فرنسا، بأن "العينات تم إتلافها عام 2008".
وحرّك تحقيق استقصائي في رحيل عرفات أجرته قناة الجزيرة الفضائية في 2011، المياه الراكدة في ملف التحقيق، بعد أن سمحت سهى عرفات لفريق القناة بالاطلاع على سجله الطبي ومتعلقاته الشخصية، ومنها الملابس التي ارتداها آخر أيامه، والتي تسلمها علماء طب شرعي سويسريون. تطور آخر في هذا الملف طرأ عندما وضع خبراء معهد الأشعة الفيزيائية الجامعي في مدينة لوزان الفرنسية، تقريرًا عن نتائج فحوصهم للأغراض الشخصية لعرفات، أفاد بوجود كميات "غير عادية من مادة بولونيوم 210 المشعة" فيها، وذلك في 11 مايو/أيار 2012م.
وعثر العلماء السويسريون على مقادير عالية من مادة البولونيوم 210، وهو ما أثار احتمال أن تكون هذه المادة قد أدت إلى وفاة عرفات، وفق تحقيق استقصائي بثته الجزيرة في يوليو/تموز 2012.
باريس بدورها، فتحت لاحقا، تحقيقا جنائيًّا في قضية وفاة عرفات، كما وافقت السلطة على نبش قبر الراحل لاستخراج 60 عينة من رفاته، على أن يتسلمها علماء طب شرعي من روسيا وفرنسا وسويسرا.
ورفع فريق أرملة عرفات شكوى قضائية "ضد مجهول" في رحيله لدى القضاء الفرنسي، في يوليو/تموز 2012. وفي نفس الشهر، حصل علماء سويسريون وفرنسيون وروس على عينات استخرجت من رفات عرفات بعد نبش قبره.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2013م، كشف علماء سويسريون وجود بولونيوم مشع في رفات عرفات، في ظل تقديرات بأنه مات مقتولاً بهذا السم، لا سيما أن العلماء المكلفين بفحص العينات عثروا على مقادير تصل إلى 18 ضعف المعدل الاعتيادي من البولونيوم.
وبحسب تقرير عن المركز الجامعي للطب الشرعي في مدينة لوزان السويسرية، فإن مقادير غير طبيعية من البولونيوم، وجدت في حوض عرفات وأضلاعه وفي التربة الموجودة تحت جثمانه.
نتائج التحقيق
عاودت قناة الجزيرة في 2013م فتح ملف رحيل عرفات، عبر فيلم وثائقي أفاد فيه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، بأن ابن شقيق الراحل عرفات، ناصر القدوة، قد اتصل به، وقال له: "صائب.. اتصل من فضلك بالأمريكيين وقل لهم أن يطلبوا من الإسرائيليين إعطاءنا الترياق، فقمت بذلك".
وخلال الفيلم نفسه، قال الطبيب الشرعي البروفيسور ديفيد باركلي: "ليس هناك أدنى شك، باعتقادي، في أن البولونيوم هو الذي أفضى إلى وفاة عرفات، ونحن الآن لدينا الدليل الدامغ على ذلك، فما علينا إلا أن نعرف من الذي قام بذلك".
لكن خبراء روس مكلفون بتحليل عينات من رفات عرفات، استبعدوا في ديسمبر/كانون الأول 2013م، تعرضه للتسمم بالبولونيوم، معتبرين أنه مات "ميتة طبيعية".
وقال رئيس فريق خبراء الوكالة الروسية البيولوجية الطبية الفيدرالية فلاديمير أويبا، في مؤتمر صحفي عقده في موسكو: "إن عرفات مات ميتة طبيعية وليس بسبب تأثير إشعاعي". وهو ما تطابق مع النتيجة التي توصل إليها خبراء مكلفون من قبل القضاء الفرنسي.
وكان رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في وفاة عرفات، توفيق الطيراوي، أقر في تصريحات لصحيفة "فلسطين" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بوجود خلافات بين اللجنتين الفلسطينية ونظيرتها الفرنسية حول ما أسماه "مسائل سيادية تتعلق برفض الجانب الفرنسي عرض نتائج التحقيق على السلطة الفلسطينية".
وأبلغت لجنة التحقيق الفرنسية نظيرتها الفلسطينية بأن قوانين فرنسا تحظر عليها إشراك أي جهة أخرى في أعمال التحقيق، كما أبلغتها اعتزامها التحقيق مع شخصيات فلسطينية.
وكان رئيس السلطة محمود عباس أكد في 10 نوفمبر/كانون الأول 2016 خلال كلمته بالمهرجان المركزي لإحياء الذكرى الـ13 لرحيل عرفات، في رام الله، أنه يعرف الجهة التي تقف وراء رحيل عرفات، قائلا: "لا زال التحقيق في استشهاد الأخ أبو عمار مستمرا، سنظل وراءهم لنعرف من الذي فعل ذلك، ولو سألتموني أنا أعرف لكن لا تكفي شهادتي، لكن لا بد للجنة التحقيق أن تصل، لتنبش من الذي فعل هذا؟ وفي أقرب فرصة ستأتي النتيجة وستدهشون منها ومن الفاعلين لكنهم سيكشفون".
وقال القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان في منشور عبر موقع التواصل "فيسبوك" عقب تصريحات عباس آنذاك: "من العار السكوت عن شخص مثل محمود عباس وهو يدعي معرفة منفذي تلك الجريمة الكبرى لكل ذلك الوقت دون مطالبته بتسجيل ونشر إفادته على الملأ، غير أنه ليس الشخص المؤهل لتوزيع الاتهامات وهو شخصيا في قفص الاتهام والمستفيد الوحيد من تغييب أبو عمار عن المشهد"؛ على حد قوله.
وفي التاسع من الشهر الجاري، قال عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" ورئيس مؤسسة ياسر عرفات ناصر القدوة، في بيان، إنه وبعد 13 عاما من رحيل عرفات فإنه لا مجال للانتقاص من مسؤولية (إسرائيل) السياسية والجنائية الكاملة حول هذه القضية.
ومع حلول الذكرى الـ13 لرحيل عرفات، لا يزال الشعب الفلسطيني ينتظر، بفارغ الصبر، النتائج الرسمية للجنة التحقيق، ورؤية قتلة عرفات في يد العدالة.