تحولت اعتداءات المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية المحتلة من أحداث متفرقة إلى ظاهرة يومية ومنظمة، تمارس بشكل ممنهج وبدعم مباشر من حكومة اليمين المتطرفة.
ولم يعد المستوطن مجرد أداة ضغط على الفلسطينيين، بل أصبح ذراعا تنفيذيا فعليا على الأرض، ينفذ أجندة سياسية وأمنية تهدف إلى تهجير المواطنين الفلسطينيين، وفرض وقائع جديدة تخدم مشروع التوسع الاستيطاني.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، سجّلت المنظمات الحقوقية الفلسطينية ما يزيد عن معدل 8 إلى 10 اعتداءات يومياً، وهو الأعلى منذ بدء التوثيق المنتظم لهذه الانتهاكات عام 2006.
وشملت الاعتداءات استهداف المزارعين في موسم الزيتون، وإحراق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتدمير الممتلكات الخاصة، فضلًا عن تهجير عشرات التجمعات البدوية والرعوية في مناطق الأغوار والجنوب.
يقول مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" سهيل خليلية، إن "زيادة الانتهاكات لم تكن مفاجئة، بل هي نتيجة مباشرة لسياسات حكومة اليمين الحالية، التي أطلقت يد المستوطنين في الضفة الغربية ومنحتهم دورًا تنفيذيًا يفوق أحيانًا دور الجيش".
ويضيف خليلية لصحيفة "فلسطين": "منذ 7 أكتوبر 2023، قُتل 30 فلسطينيًا بنيران المستوطنين، وهذه حصيلة متوقعة في ظل التحريض العلني على استخدام السلاح ضد الفلسطينيين".
ويرى أن التحوّل في ما يسمى (الإدارة المدنية) التابعة للاحتلال، وغياب أي محاسبة قضائية شكّلا أرضية خصبة لتصاعد العنف، بل إن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير ذهب أبعد من ذلك عبر تسليح أكثر من 250 ألف مستوطن، في خطوة تكشف بوضوح عن سياسة موجهة لتفعيل العنف في الضفة.
وأوضح حكومة الاحتلال المتطرفة الحالية تسعى إلى "إعادة صياغة طبيعة الصراع من مواجهة مع دولة احتلال إلى صراع مباشر مع المستوطنين، وهذا التغيير يخدم أجندة اليمين المتطرف الذي يريد أن يفرض أمرًا واقعًا يصعّب أي حلول سياسية مستقبلية".
وتابع: "نحن أمام مرحلة تجاوزت القوانين الدولية التي لم تعد حاضرة في المشهد، في ظل دعم أمريكي وصمت دولي".
وبيّن أن سياسة الإفلات من العقاب باتت جزءًا أصيلًا من العقيدة الإسرائيلية في التعامل مع المستوطنين. فالمحاكم الإسرائيلية نادرًا ما تُدينهم، والجيش يوفّر لهم الحماية أثناء تنفيذ اعتداءاتهم، سواء بإحراق الحقول أو مهاجمة القرى أو إقامة بؤر استيطانية جديدة.
وشدد خليلية على أن "هذا التواطؤ الرسمي جعل الفلسطينيين في مواجهة مباشرة مع جماعات المستوطنين المسلحة والمدعومة سياسيًا وقانونيًا".
خطة استراتيجية
من جانبه، يوضح سهيل السلمان، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب، أن "الانتهاكات اليومية التي يبلغ معدلها تسع اعتداءات ليست عشوائية، بل جزء من خطة استراتيجية لفرض وقائع جديدة على الأرض ودفع المواطنين للرحيل".
وبيّن السلمان لـ "فلسطين"، أن الاعتداءات تتصاعد بشكل خاص في موسم قطف الزيتون عبر تدمير الأراضي الزراعية وحرقها، خاصة في محيط نابلس ورام الله، إضافة إلى مناطق الجنوب.
ونبّه إلى خطورة ما يُعرف بـ"الاستيطان الرعوي"، وهو شكل استيطاني غير مكلف بالمقارنة مع المستوطنات التقليدية، لكنه يمتد على مساحات شاسعة تُقدّر بنحو 786 ألف دونم، ونتيجة لهذه السياسة، تم إخلاء نحو 70 تجمعًا فلسطينيًا، بعضها كبير الحجم، بفعل الاعتداءات المباشرة للمستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال.
ووفق السلمان، فإن ما يجري يشبه إلى حد بعيد ممارسات النكبة عام 1948، حيث يجري تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين لصالح التوسع الاستيطاني.
سيطرة لتصفية القضية
واعتبر أن هذه الاعتداءات جزء من مشروع أكبر يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وإضعاف أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلًا.
وأمام هذا المشهد المعقد، يؤكد المتحدثان أن المطلوب أولًا هو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتوحيد الموقف. فخليلية يشدد على ضرورة "إطلاق حملات ضغط دولي مركزة على حكومة الاحتلال لوقف الاعتداءات، مع تجاوز الخلافات السياسية الفلسطينية ووضع مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار".
فيما يدعو السلمان إلى "توجيه كل الإمكانيات لتعزيز صمود المواطنين في القرى والمناطق المستهدفة، وتفعيل لجان الحماية الشعبية، إضافة إلى عقد لقاء جامع للفصائل الفلسطينية بقيادة الرئيس، على الأقل على مستوى الأمناء العامين، لمواجهة التحديات المشتركة".
ووفق وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار فإن عدد اعتداءات المستوطنين منذ بداية العام الحالي تجاوزت الـ2150 اعتداء وهو يقارب عدد هذه الاعتداءات خلال العام الفائت كله، أي أن هذه الاعتداءات زادت الضعف مقارنة بالعام 2024.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أصيب منذ بداية 2025 نحو 350 فلسطينيا جراء اعتداءات المستوطنين، أي بمتوسط يقارب مصابين يوميا.
في ظل هذا الواقع، يبدو أن الضفة الغربية مقبلة على مرحلة أكثر خطورة، حيث سيتحوّل الصراع بشكل أكبر إلى مواجهة مفتوحة بين المواطنين العُزّل ومجموعات المستوطنين المسلحة والمدعومة رسميًا، ما يهدد بجرّ المنطقة إلى دائرة أوسع من العنف والتهجير.