فلسطين أون لاين

مبتورو الأطراف في غزة.. أجساد مثخنة بالجراح بلا دواء ولا علاج

...
غزة/ محمد الأيوبي
غزة/ محمد الأيوبي

كانت الطفلة شام رمان (11 عاماً) تستمتع بلحظات اللعب مع صديقاتها قرب منزلها في مدينة غزة، قبل أن يمزق صاروخ إسرائيلي أحلام طفولتها، ويحول حياتها إلى صراع يومي مع الألم والعجز.

فقدت شام قدرتها على المشي واللعب، بعدما بُترت قدمها اليسرى، وتحطمت أصابع ومشط قدمها اليمنى، وأصيبت بكسر في ذراعها، إضافة إلى حروق في جسدها ووجهها، وكسر في الحجاب الحاجز، وانفجار في المعدة.

ألم بلا دواء

داخل مستشفى يفتقر لأبسط المقومات، خضعت شام لعمليتي بتر متتاليتين، بينما ما تزال شظايا خطيرة قريبة من قلبها ومشكلات في المعدة والحجاب الحاجز تهدد حياتها يوماً بعد يوم. أما نفسياً، فقد غرقت في كوابيس الأرق والهلوسة، بعدما فقدت صديقتها في القصف، في غياب تام لأي دعم نفسي للأطفال في غزة.

تقول شام ببراءة موجوعة: "نفسي أسافر للعلاج.. أريد أن أعود إلى بيتي، ألعب وأرسم وأجلس مع أمي وأبي."

أما والدتها فتضيف بحزن: "منذ عشرين يوماً لم تنم شام أو تأكل، تصرخ طوال الليل مناديةً صديقاتها اللواتي استشهدن. حرارتها تصل إلى 40 درجة، لكن وضعها النفسي أصعب من الجسدي بكثير. الأطباء يقولون إن أي عملية قادمة قد لا تنجح."

وتضيف الأم بمرار لـ "فلسطين أون لاين": "غياب العلاج أدى إلى تدهور حالة شام، حيث خضعت لعمليتي بتر متتاليتين في قدمها. وهناك شظايا قريبة من قلبها، وكسر في الحجاب الحاجز، وانفجار في المعدة أثّر على صحتها، خاصة مع غياب الغذاء والدواء."

وتتابع: "كل ما تتمناه شام أن تكمل حياتها وتعود إلى مدرستها وتقف على قدميها"، مناشدة أصحاب الضمائر الحية بالتدخل لعلاج شام في الخارج لتصبح مثل أطفال العام."

وجع مستمر

قصة شام واحدة من آلاف المآسي التي تعصف بأطفال وجرحى غزة، ومن بينهم يحيى نوفل (20 عاماً) من مخيم النصيرات وسط القطاع، الذي أصيب قبل أسابيع في قصف إسرائيلي أفقده قدمه اليسرى، وتسبّب له بشظايا كسرت فقرات ظهره الثالثة والرابعة، فضلاً عن فقدانه عدداً من أسنانه.

يجلس نوفل اليوم على كرسي متحرك، يصف حاله بأنه "عالق بين الألم والعجز"، إذ لا تتوفر له حتى أبسط الأدوات الطبية مثل العكاز لمساعدته على الحركة، بينما يحتاج إلى علاج طبيعي وعمليات لوقف الورم في قدمه.

ويقول نوفل: "الألم لا يعرفه إلا من يذوقه.. وجع مستمر وانتفاخ في قدمي، بلا أدوية ولا علاج. لا أنام الليل من شدّة الألم، ولا حتى مسكنات تخفف عني".

ويشير إلى أنه في عمر كان ينبغي أن يبدأ فيه بالعمل وإعالة نفسه، لكنه الآن عاجز حتى عن الوقوف لبضع ثوانٍ، ويقضي معظم وقته حبيس البيت.

أما أحمد حمدان (32 عاماً)، وهو أب لطفلين من المخيم نفسه، فيعيش مأساة مشابهة بعد أن فقد ساقه فوق الركبة جراء قصف إسرائيلي قبل نحو عام. يقول بصوت مثقل بالحزن: "البتر فوق الركبة، ولا يوجد أي علاج في غزة. منذ ستة أشهر أنتظر منظمة الصحة العالمية للسفر للعلاج في الخارج، لكن دون جدوى فكل يوم وضعي يزداد سوءاً".

ويصف حمدان صعوبة تفاصيل حياته اليومية بعد أن فقد مصدر رزقه كحلاق: "لم أعد قادراً على العمل. حتى أبسط الأمور مثل تعبئة المياه لا أستطيع القيام بها. الألم لا يفارقني ليلاً ولا نهاراً، لكن لا علاج ولا رعاية صحية".

مأساة صحية متفاقمة

من جانبه، يؤكد مدير عام مستشفى الشيخ حمد الممول من صندوق قطر للتنمية أحمد نعيم أن المستشفى يستقبل يوميا نحو 200 حالة مرضية وإصابات، مرجحا زيادة عدد الحالات مع استمرار الحرب وارتفاع عدد الإصابات الناجمة عن العدوان الإسرائيلي.

وأوضح نعيم أن حرب الإبادة على غزة ضاعفت عدد حالات البتر في الأطراف بنسبة تجاوزت 225%، وذلك بعدما سجلت الإحصاءات الرسمية أكثر من 6500 حالة بتر جديدة منذ بداية الحرب، في حين كان العدد الإجمالي لحالات البتر في غزة قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 يبلغ ألفي حالة.

وشدد على أن هذا العدد يفوق قدرة أي مركز طبي في القطاع على التعامل معه في الظروف الحالية، وأوضح أن القدرة الإنتاجية للمستشفى قبل الحرب كانت تتيح تصنيع نحو 150 طرفا صناعيا في السنة "وبهذا المعدل فإننا نحتاج إلى أكثر من 20 عاما لتغطية الحالات الحالية".

وأضاف أن المستشفى يسعى لرفع طاقته الإنتاجية إلى 400–500 طرف صناعي سنوياً، لكن ذلك يحتاج إلى تمويل كبير وتوفير المواد اللازمة، وهو ما يواجه عرقلة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على إدخال مستلزمات الأطراف الصناعية.

وأشار نعيم إلى أن عدد الأخصائيين في مجال الأطراف الصناعية نادر جدا في قطاع غزة، وجميعهم يعملون بطاقة مضاعفة، لكن عددهم لا يكفي للتعامل مع هذه الكثافة من الحالات رغم سعيهم للعمل على تطوير الكفاءات الموجودة واستقطاب دعم فني وتقني لتوسيع الفريق.

المصدر / فلسطين أون لاين