قائمة الموقع

تجهيل الأطفال... حقُّ التَّعليم يتيه في غياهب المعاناة بغزَّة

2025-08-21T18:26:00+03:00
تجهيل الأطفال... حقُّ التَّعليم يتيه في غياهب المعاناة بغزَّة
فلسطين أون لاين

تحت شمس لاهبة، يتعثر ثلاثة أطفال وهم يتقاسمون حمل جالونين ثقيلين من المياه الشحيحة، ويجرون خطواتهم الصغيرة نحو خيام النزوح القسري.

هذا المشهد الذي بات أحد أركان المعاناة اليومية في غزة، يلخص مأساة أكبر، ضحيتها أطفال كانوا يتوجهون كل صباح لمقاعد الدراسة، لكنهم يجدون أنفسهم، للشهر الـ23 تواليا من حرب الإبادة الجماعية، أسرى أدوار قسرية لا علاقة لها بطفولتهم ولا بحقهم في التعليم.

أمام خيمة النزوح المقامة على أحد الأرصفة وسط مدينة غزة، تنظر أم أيمن حلس لطفلتها هيام التي وصلت من مشوارها الثقيل، قائلة بحسرة: "كانت مع أخيها أيمن من الخمسة الأوائل في الدراسة".

تباغتها دمعة حارقة، مضيفة لصحيفة "فلسطين": "اليوم، بات حالهما بائسا ومدمرا، يصولون ويجولون بحثا عن الماء أو بعض الطعام إن توفرت التكية".

أيمن الذي يفترض أن يكون ملتحقا بالصف السابع الإعدادي وهيام في الصف الخامس الابتدائي، تبزغ في نفسيهما من وسط عتمة المعاناة، أمنية بأن يعودا مجددا للدراسة، لكن والدتهما تشير إلى صعوبة ذلك في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية.

وتقول: "نفسهم يرجعوا للدراسة، لكن هدا صعب حاليا، مفش مجال"، مشيرة إلى أنه في ظل تدمير الاحتلال معظم المدارس الحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا وتحول ما تبقى منها لمأوى مؤقت للنازحين قسرا، فإن ما يعمل من المدارس الخاصة يتطلب رسوما دراسية، لا تستطيع تسديدها.

كما أن استهداف الاحتلال للمدارس وعدم وجود مكان آمن والمسافة بين خيمة النزوح وأي مؤسسة أو خيمة تعليمية، يقلقها على طفليها.

وعن التعليم الإلكتروني، فإنها تشير إلى العديد من التحديات وفي مقدمتها قطع الاحتلال الكهرباء، وعدم توفر الإنترنت، وقضاء وقت طويل في محاولة شحن هاتفها عبر الطاقة الشمسية.

لكنها تنبه إلى تحد من نوع آخر، وهو تراجع قدرة طفليها على الاستيعاب بسبب تدهور حالتهما النفسية، لاسيما بعد إصابة والدهما.

كما أن واقع المجاعة التي بلغت مستويات غير مسبوقة مع إطباق الاحتلال الحصار على غزة منذ الثاني من مارس/آذار، يؤثر سلبا في دافعية الطفلين نحو التعليم.

وتفيد أم أيمن بأن أيا من المؤسسات الدولية المعنية لم يؤد دورا في تعليم طفليها منذ بدء الاحتلال حرب الإبادة.

وبينما ترزح مع عائلتها بين أنياب التشريد القسري، تبدي تشاؤمها تجاه المستقبل العلمي لأيمن وهيام.

وبعد استراحة قصيرة من معركة الحصول على المياه، تقول هيام: إنها لا تذكر شيئا مما كانت تدرسه قبل الحرب، ومع أنها تفصح عن حبها لمساق اللغة الإنجليزية، فإنها تعجز عن استعادة معنى جملة بسيطة كانت تتقنها وهي "What's your name?"، أي "ما اسمك؟".

أما أيمن الذي يبدي ميوله لمساق الرياضيات، فقد أسعفه ذهنه على حساب "70+50"، ما دفعه لتأكيد حقه في التعليم، لتطوير قدراته.

تراجع القدرات العلمية

وفي وقت تهدد (إسرائيل) باحتلال مدينة غزة، فإنها تغيب أي عامل استقرار في حياة الغزيين المنهكين بجرائمها على مدار أشهر الحرب الجارية.

محمد حلس، الذي يحاول كسب قوت يومه عبر بيع ما تيسر من مواد التنظيف أمام خيمته، يقول: إن طفله عمر (خمسة أعوام)، بدأ يتلمس طريق العلم منذ نعومة أظفاره عبر مقاطع تعليمية في موقع "يوتيوب"، ويميز بين الألوان، لكنه حرم من الالتحاق برياض الأطفال.

"الآن إذا سألته عن معنى لون معين باللغة الإنجليزية، كان يعرفه سابقا، لا يستطيع الإجابة"، يضيف حلس لصحيفة "فلسطين"، مبينا أنه حاول تسجيله برياض أطفال وفي كل مرة كان الاحتلال يجبره على النزوح، ملخصا ذلك بأنه يعني "تجهيل الأطفال".

ويتفق مع أم أيمن على صعوبة التعليم الإلكتروني مع استمرار مسلسل النزوح القسري، قائلا: "كما ترى، منذ بداية الحرب خيام ونزوح وتجويع، وهم الإنسان كيف يتدبر لقمة عيشه، فكيف سيفكر بالتعليم وسط هذه المعاناة؟".

ويشير إلى أن هذه المعاناة فرضت نفسها على الأطفال أيضا، الذين باتوا يستيقظون على ملاحقة المياه بدلا من التعليم، وقد تراجعت قدراتهم العلمية التي تحتاج إلى ممارسة للحفاظ عليها وتنميتها.

المعاناة الفردية التي تعكسها حالة هؤلاء الأطفال، تتطابق مع ما أكدته تقارير المنظمات الدولية، فوفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في31 مايو/أيار 2025، تعرض 95% من مدارس غزة للتدمير أو الضرر على يد الاحتلال، مما حرم نحو 658 ألف طفل من حقهم في التعليم، محذرا من أن بيئة حماية الأطفال "تقترب من الانهيار الكامل".

وبحسب وزارة التربية والتعليم، استشهد 16,664 طالبا وأصيب 25,728 آخرون منذ بداية حرب الإبادة على غزة حتى 24 يونيو/حزيران 2025. وأسفرت الحرب عن استشهاد وإصابة أكثر من 200 ألف غزي، وفق وزارة الصحة.

وبينما ترتفع أرقام الضحايا، يحلم أيمن وهيام وغيرهما من عشرات آلاف الأطفال بمقعد خشبي ودفتر نظيف، بدلا من جالون ماء وطريق نزوح لا ينتهي.

 

 

 

 

 

اخبار ذات صلة