منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023، تحولت أزمة المياه من مشكلة مزمنة إلى كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان. فمع استمرار القصف وتدمير البنية التحتية، يعيش المواطنون في القطاع معاناة يومية للحصول على قطرة ماء صالحة للشرب، في ظل حصار خانق ونقص حاد في الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية والآبار.
الاختصاصية في علوم المياه والبيئة في قطاع غزة الدكتورة رنا دعيس، تؤكد في حديث خاص مع صحيفة "فلسطين"، أن الوضع "يتفاقم يوماً بعد آخر نتيجة سياسات الاحتلال الصارمة"، مشيرةً إلى أن "تدمير آبار المياه ومحطات التحلية بشكل متكرر حوّل حياة الناس إلى صراع دائم مع العطش".
وتوضح دعيس أن أزمة النزوح الواسع فاقمت من الطلب على المياه بشكل غير مسبوق، قائلةً: "تزايد أعداد النازحين أدى إلى ارتفاع الاحتياج بشكل هائل، بينما تعمل محطات التحلية بالحد الأدنى من قدرتها. النتيجة أن المياه غير كافية في قطاع غزة خصوصاً في مناطق الشمال، حيث يواجه مئات الآلاف نقصاً خطيراً في مياه الشرب".
وتضيف أن مدينة غزة وحدها تضم نحو مليون و200 ألف شخص محصورين في غرب المدينة، جميعهم بحاجة ماسة إلى مياه صالحة للشرب، إلا أن غياب المختبرات يضاعف المخاطر، مضيفةً "كل مختبرات المياه في غزة، بما فيها مختبرات الجامعات، دُمّرت بالكامل، ما يعني غياب الرقابة والتحليل. وبالتالي المياه التي تصل إلى الجمهور غير مأمونة، وغالباً غير صالحة للشرب."
وشددت على أن غياب المياه النظيفة انعكس مباشرة على الوضع الصحي، إذ أن هناك انتشار واضح للأمراض المنقولة بالمياه، مثل النزلات المعوية، الإسهال، الحُمى، إضافة إلى التهابات الكبد الوبائي (أ) والأمراض الجلدية والطفح الجلدي".
وأكدت دعيس أن ارتفاع درجات الحرارة في الوقت الراهن زادت من تفاقم الأزمة وأدت إلى تدهور صحة النازحين بشكل مقلق".
تختتم دعيس حديثها بالتأكيد على أن حق الفلسطينيين في الحصول على المياه "هو حق أساسي من حقوق الإنسان".
وطالبت المؤسسات الدولية بالتحرك الفوري لإيجاد حلول، عبر إدخال المعدات اللازمة والوقود والسولار لتشغيل محطات التحلية بكفاءة عالية، حتى يتمكن المواطن الغزي من الحصول على أدنى حقوقه، وهو ماء نظيف للشرب.
وبينما يواجه الغزيون خطر العطش والأمراض، يبقى إدخال المياه النظيفة تحدياً إنسانياً عاجلاً يتطلب ضغطاً دولياً جاداً، بعيداً عن الحسابات السياسية التي تترك المدنيين وحدهم في معركة البقاء.
ووفق احصائيات للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الاحتلال دمّر غالبية البنية التحتية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة منذ السابع من اكتوبر 2023، حيث دمّر (717) بئر مياه وأخرجها عن الخدمة، و(330 ألف) متر طولي شبكات مياه، و(655 ألف) متر طولي شبكات صرف صحي، وأكثر من 2 مليون متر طولي شبكات طُرق وشوارع.
تجدر الإشارة إلى أن قطاع غزة يعاني من عجز مائي مزمن، إذ يعتمد بشكل شبه كامل على الخزان الجوفي الساحلي، الذي يتعرض للاستنزاف والتلوث بمياه البحر والصرف الصحي، إذ أن تقارير الأمم المتحدة كانت قد حذرت قبل العدوان بسنوات من أن مياه غزة "غير صالحة للشرب بنسبة تزيد على 95%".
ومع الحرب الأخيرة، تدهورت الأوضاع أكثر بعد استهداف متعمد لمحطات التحلية وخطوط المياه الرئيسية، إلى جانب شح الوقود الذي يوقف تشغيل المولدات اللازمة لضخ المياه.