في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، أعلن عشرات من عمال شركات النظافة العاملة في مستشفيات مدينة غزة إضرابهم الجزئي عن العمل، احتجاجًا على عدم تلقيهم رواتبهم منذ ما يزيد عن خمسة أشهر متواصلة، وسط تفاقم معاناتهم المعيشية وغياب أي أفق للحل في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة من السابع من أكتوبر 2023م.
ويقول إسحاق ريان، أحد العاملين في شركة النظافة بمستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي غرب مدينة غزة، إنه لم يتقاضَ راتبه منذ خمسة أشهر، رغم التزامه الكامل بالعمل خلال الفترة الماضية.
وأضاف ريان، الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد لمراسل صحيفة "فلسطين": "لم نتوقف عن أداء واجبنا في المستشفيات، وكنا نعمل بكامل طاقتنا رغم الظروف القاسية، لكن اليوم لم يعد لدينا خيار آخر سوى الاحتجاج".
بدأت الاحتجاجات بتعليق العمل مؤقتًا، من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، وفق ما أعلنته شركة "موسى حلس للخدمات اللوجستية والفندقة" لمراسل صحيفة "فلسطين" وهي الشركة المسؤولة عن تقديم خدمات النظافة في مستشفيات غزة ومراكز الرعاية الأولية.
وقد تم استثناء الأقسام الحساسة من هذا التعليق، مثل غرف العمليات والطوارئ وحضانات الأطفال والعناية المركزة ووحدة غسيل الكلى، بحسب أحد العاملين في الشركة.
وأوضحت الشركة لمراسلنا، أن العمال سيواصلون تعليق عملهم اليوم الاثنين من السابعة صباحًا وحتى الثانية مساءًا، فيما سيعلقون العمل غدا الثلاثاء حتى إشعار آخر، إلى أن يتم صرف المستحقات المالية المتأخرة، والتي لم تُدفع منذ خمسة أشهر رغم وعود متكررة.
معاناة متفاقمة
وتقطع إسلام، إحدى العاملات في مستشفى الرنتيسي، يوميًا مسافة تقترب من خمسة كيلومترات سيرًا على الأقدام من منزلها في معسكر الشاطئ إلى مقر عملها، لعدم قدرتها على دفع تكاليف المواصلات.
وتقول لمراسل صحيفة "فلسطين": "أعمل من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وليس لدينا ما نأكله في البيت، زوجي مريض وأنا أعيل طفلين، ولا نتلقى أي دعم".
تضيف إسلام، بأسى: "نحن محرومون حتى من الحليب أو الحفاضات التي تُقدَّم كمساعدات للمرضى، رغم أننا في نفس المستشفى وبحاجة لها".
بينما ينتظر محمد الجعبري، وهو عامل آخر في نفس الشركة، قدوم طفله الثالث خلال أيام، لكنه يشعر بالحزن والعجز: "لا أملك ثمن الحليب أو الحفاضات أو حتى ملابس الطفل الجديد، وصاحب البيت الذي أستأجره بدأ يطالبني بإخلائه بسبب تراكم الديون".
ويروي الجعبري، لمراسل صحيفة "فلسطين" تفاصيل مؤلمة عن هروبه من أطفاله، بالقول: "أخرج من المنزل في الخامسة صباحًا لأتجنب نظرات أولادي وطلباتهم التي لا أستطيع تلبيتها، وأذهب للعمل سيرًا على الأقدام من حي الزيتون حتى المستشفى".
ويبلغ متوسط راتب العاملين في شركات النظافة في مستشفيات غزة ما بين 700 إلى 900 شيقل شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط متطلبات الحياة اليومية في ظل الغلاء الفاحش ونقص المواد الأساسية في القطاع.
بسبب الحرب
بدورها، أكدت نداء زيارة، كمتحدثة باسم شركة "موسى حلس"، أن الشركة التزمت بكافة بنود الاتفاق مع وزارة الصحة، وواصلت تقديم خدماتها حتى خلال الحرب المستمرة على القطاع، رغم فقدان بعض موظفيها وإصابة آخرين أثناء أداء عملهم.
وقالت زيارة لمراسل صحيفة "فلسطين": "نعاني حاليًا من أزمة حقيقية، فالمخازن أصبحت فارغة من مواد النظافة، ولا نستطيع تأمين المستلزمات الأساسية بسبب تأخر وزارة الصحة في صرف المستحقات، ومنع الاحتلال إدخال المواد اللازمة وارتفاع أسعار القليل المتوفر".
وأضافت: أن الشركة أرسلت عدة خطابات إلى وزارة الصحة تطالب فيها بصرف المستحقات المتراكمة التي تجاوزت خمسة أشهر، حتى تتمكن من دفع رواتب نحو 200 عامل، هم من يتحملون عبء تنظيف المستشفيات والرعاية الصحية وسط ظروف مأساوية.
وتوجه العاملون في شركات النظافة بنداء عاجل إلى المسؤولين في وزارة الصحة والجهات المعنية، مؤكدين أن استمرار الوضع الحالي يعني انهيار منظومة النظافة في المستشفيات، مما يهدد صحة المرضى والطواقم الطبية على حد سواء.
ويأمل هؤلاء العمال أن تجد صرختهم صدى لدى الجهات الرسمية والداعمة، من أجل إنهاء معاناتهم المتواصلة، وتوفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية التي فقدوها منذ شهور.
كارثة إنسانية
من جهته، قال مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة الصحة بغزة الدكتور محمود حماد: إن الوزارة تبذل جهودًا متواصلة مع كافة الشركاء المحليين والدوليين لتأمين المخصصات المالية اللازمة لشركات النظافة، محذرًا من أن توقف هذه الشركات عن العمل "ينذر بكارثة إنسانية" داخل المستشفيات المكتظة بالمرضى والمصابين.
وأوضح حماد، في تصريح خاص لصحيفة "فلسطين" أن السبب الرئيسي وراء تراكم مستحقات شركات النظافة يعود إلى غياب الموازنة التشغيلية للوزارة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الوزارة تواصلت مع عدة جهات دولية، منها منظمة الصحة العالمية، إلى جانب مؤسسات مانحة أخرى، في محاولة لتوفير الدعم العاجل، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة حتى اللحظة.
وأكد أن نظافة المستشفيات أمر لا يمكن التهاون فيه، خصوصًا في ظل الظروف الصحية القاسية وتكدس المرضى والمصابين، مشيرًا إلى أن أي خلل في هذا الجانب سيفتح الباب أمام انتشار الأوبئة والأمراض، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المصابين والكوادر الطبية على حد سواء.
وأضاف: "أن تعليق شركات النظافة لعملها بسبب عدم صرف رواتبهم يضع حياة آلاف المرضى والمصابين في خطر، ويشكل عبئًا إضافيًا على النظام الصحي المنهك"، لافتًا إلى أن منظمة الصحة العالمية قدمت بعض المستلزمات، لكنها غير كافية لسد الفجوة الحالية.
وفي ختام حديثه، وجه الدكتور حماد، نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي والمؤسسات الداعمة، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، لدعم القطاع الصحي في غزة، وتوفير مستحقات شركات النظافة، لضمان استمرار الخدمات الصحية الأساسية، ومنع تفشي الأوبئة في المستشفيات التي تعاني أصلًا من اكتظاظ غير مسبوق بسبب الحرب المتواصل على القطاع.