يشهد حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة كارثة إنسانية متفاقمة، في ظل تصاعد أزمة المياه، عقب انقطاع خط "مكوروت" الإسرائيلي المغذي للمنطقة منذ أكثر من شهر، وتضاعف عدد السكان إثر موجة نزوح واسعة من أحياء الشجاعية والزيتون بعد اقتحامها من قبل جيش الاحتلال.
ويُعد حي تل الهوا من المناطق "الآمنة نسبيًا" في غزة، ما جعله ملاذًا لمئات العائلات النازحة خلال الشهر الماضي، ما أدى إلى ضغط هائل على البنية التحتية، وخصوصًا شبكة المياه، التي باتت عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان الأصليين والنازحين على حد سواء.
هذه الأزمة جعلت الوصول إلى المياه النظيفة حلمًا صعب المنال، خاصة للنازحين الذين تكدسوا في منازل مكتظة أو افترشوا الأرض في خيام عشوائية متهالكة.
بيوت مكتظة وعبء متصاعد
تقول أم مازن الغف، ربة منزل في الأربعينيات من عمرها، وتقطن بالقرب من متنزه برشلونة، إنها تستضيف في منزلها ثلاث عائلات نازحة من حي الزيتون، تضم 15 طفلًا، و4 سيدات، و4 رجال.
وتوضح: "بيتي مكوّن من ثلاث غرف وصالون كبير، ولم نشعر بأزمة المياه في البداية بسبب قلة عدد النازحين، لكن بعد مرور شهر، أصبح توفير بضع غالونات من المياه أمرًا في غاية الصعوبة".
وأضافت لصحيفة "فلسطين": "مياه البلدية لا تصلنا منذ فترة طويلة، ولا حتى عربات المياه التي تُرسل للمخيمات القريبة. سعر غالون المياه وصل إلى 5 شواقل، ونوزعه بالقطارة: جزء للاستحمام، وآخر للنظافة الشخصية، وثالث لتنظيف المنزل، أما الشرب والطهي فنعتمد على شراء مياه حلوة صالحة للشرب".
ولفتت إلى أن أطفال كل عائلة يخرجون صباحًا للبحث عن نقاط بيع المياه، في مهمة مرهقة، غالبًا ما تُوكل إليهم رغم صغر سنّهم.
خيام وعطش وأمراض
أما محمود الجرو، نازح من حي الشجاعية، فيعيش مع عائلته في خيمة داخل متنزه برشلونة، الذي أصبح وجهة رئيسة للنازحين مؤخرًا.
ويقول: "أزمة المياه خانقة، والأطفال دائمًا عطشى. نحتاج إلى الاستحمام بسبب الحر، لكن لا مياه. الأطفال بدأوا يُصابون بأمراض جلدية ومعوية نتيجة قلة النظافة".
وأشار إلى أن الضغط على دورات المياه لا يُحتمل، قائلًا: "في خيمتين فقط من عائلتي يعيش أكثر من 20 شخصًا، ولا مياه كافية لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات".
وأوضح أن مياه البلدية لا تصل إلا مرتين في الأسبوع، ولمدة ساعتين فقط، تكفي بالكاد لملء نصف خزان واحد من أصل ثلاثة نحتاجها أسبوعيًا.
مخيمات عشوائية بلا ماء
في محيط مدرسة بلقيس اليمن، التي تحولت إلى مركز إيواء، نُصبت عشرات الخيام العشوائية التي لا تقي من الحر ولا من العطش.
تسكن السيدة فاطمة الدحدوح، نازحة من حي الزيتون، في إحدى هذه الخيام برفقة زوجها وأطفالها الخمسة.
تقول: "منذ أن نزحنا لم نشرب ماءً باردًا. ننتظر شاحنة المياه من الجمعيات أو مياه البلدية، وإن لم تتوفر نضطر لاستخدام أي مياه مكشوفة، وقد تكون غير صالحة، ونعيد استخدام مياه الاستحمام لأغراض النظافة".
وأضافت لـ"فلسطين" أنها غادرت بيتها تحت القصف دون أن تأخذ شيئًا، ولا تمتلك خزانات لحفظ المياه، وتعتمد على عبوات بلاستيكية صغيرة يملؤها أطفالها عند مجيء شاحنات المياه.
وتابعت: "نضطر إلى شراء كميات قليلة بأسعار مرتفعة للغاية لاستخدامها في الضروريات فقط، وهو ما يستنزف مدخراتنا القليلة".
تفاقم الأزمة والتحذيرات الرسمية
تفاقمت أزمة المياه في حي تل الهوا ومدينة غزة عمومًا بعد توقف خط "مكوروت" الإسرائيلي، ما دفع بلدية غزة لإصدار تحذيرات عاجلة الأسبوع الماضي من كارثة صحية وبيئية، إذا لم يتم إصلاح الشبكة وتزويد المناطق الغربية من المدينة بالمياه بشكل فوري.
وأكدت البلدية أن زيادة عدد السكان في تل الهوا بنسبة تفوق 60% خلال الأسابيع الأخيرة، تسببت في انهيار منظومة توزيع المياه، لا سيما بعد تدمير معظم آبار المياه في المناطق الشرقية بفعل القصف الإسرائيلي.
تحذيرات دولية ونداءات استغاثة
في السياق، أصدرت منظمات دولية، مثل اليونيسف وأوكسفام، بيانات حذرت فيها من تفاقم أزمة المياه في قطاع غزة، مؤكدة أن أكثر من 85% من السكان يحصلون على أقل من الحد الأدنى الموصى به يوميًا من المياه الآمنة.
وشددت هذه المنظمات على أن الوضع في تل الهوا وبقية أحياء غزة المكتظة بالنازحين ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض المنقولة عبر المياه، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل.
ويواصل أهالي تل الهوا، ومعهم آلاف النازحين، توجيه نداءات استغاثة متواصلة إلى الجهات الدولية ومنظمات الإغاثة، مطالبين بتوفير صهاريج مياه عاجلة، وإنشاء نقاط توزيع منتظمة، وتوفير مستلزمات النظافة والتعقيم.
في ظل الحصار الإسرائيلي واستمرار العدوان، تبقى أزمة المياه في غزة عامة، وفي تل الهوا خاصة، قنبلة صحية موقوتة تهدد حياة مئات الآلاف، بينما يكتفي العالم بالمراقبة دون تدخل حقيقي.