قائمة الموقع

"مقاومة نسويَّة بالفنِّ"... مشاعر متفجِّرة بلوحات تشكيليَّة في غزَّة

2025-08-05T19:32:00+03:00
"مقاومة نسويَّة بالفنِّ"... مشاعر متفجِّرة بلوحات تشكيليَّة في غزَّة
فلسطين أون لاين

"خلف عينيها حلم وأمل"، تقف جودي الحايك (15 عامًا) بجانب لوحة تشكيلية رسمتها بهذا العنوان على أنقاض مركز إسعاد الطفولة في غزة، لتعكس مشاعرها المتفجرة من حرب الإبادة الجماعية.

وجودي واحدة من مجموعة فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و20 عاما، شاركن بمعرض في غزة للتعبير بلغة الفن التشكيلي عن ذواتهن، ومقاومة أوجاعهن، ضمن مبادرة "تنفس وارسم"  ليكون ذلك متنفسا لهن في ظل الحرب.

تقارن لوحة جودي -كما تقول لصحيفة "فلسطين"- بين حياة المرأة قبل بدء حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحياتها خلال الحرب الجارية.


 

تشرح مضمون لوحتها: رسمت فستانا أحمر يدل على الصمود والثبات، و"وردة سوسن فقوعة" التي لا تنبت إلا بتربة معينة في فلسطين، وفراشة ترمز إلى الحرية، تمثل كيف كانت تتنقل المرأة، وحياتها مفعمة بالطاقة.

تنتقل إلى المشهد الآخر في اللوحة، وهو حياة المرأة في الحرب: هنا تعبت مع المجاعة، وبدا عليها التعب، وجرحت الفراشة.

واستخدمت جودي الكوفية رمزا لفلسطين، وخلصت في لوحتها إلى رسالة مفادها أن المرأة تعبت وتغيرت حياتها، لكنها تظل صامدة وتحاول إخفاء ما حل بها.

أما مريم بهار (15 عاما)، تعبر من خلال لوحتها عن الخوف الذي تعيشه حاليا في غزة بسبب حرب الإبادة، وقد جسدت واقعها كفتاة في بيتها أثناء قصف إسرائيلي، وهي تحاول سد أذنيها لئلا يرعبها صوته لكن دون نتيجة.

تقول مريم لصحيفة "فلسطين": تبوء تلك المحاولة بالفشل، لأنها لا تسمع فقط صوت القصف وإنما يوجعها من داخلها، وقد تعرضت كثيرا لهذا الموقف المؤلم.

رهف الوحيدي (15 عاما)، التي شاركت في المعرض، تقول: إنها حاولت رسم ما يختلجها من مشاعر، مبينة أن أكثر ما أثر فيها خلال الحرب هو النزوح القسري الذي تكرر أزيد من 10 مرات، وقد عبرت عن ذلك في لوحتها.

وفي إحدى زوايا المعرض، تقارن سارة سعدة (15 عاما) بين رسوماتها قبل وأثناء حرب الإبادة الجماعية: كنت أرسم رسومات مفعمة بالفرح والضحك، أما الآن كلها عن المعاناة وتعبر عن القهر والدم والقتل.

وتناولت سارة في لوحتها معاناة أهالي غزة وعلى نحو خاص السيدات في الحصول على الدقيق، حيث تحمل امرأة على كتفيها كيسا من الطحين، لكن على كاهلها أيضا أوجاع تفوق الوصف، في ظل المجاعة واحتمال تعرضها للقتل برصاص الاحتلال.

تقول لصحيفة "فلسطين": هذه اللوحة من وحي المشاهد التي نراها في غزة، لكن أيضا أبي يخاطر بحياته في سبيل الحصول على الدقيق، ويعاني كثيرا، ويعود بجسد منهك، ويغطي وجهه الطحين وربما الدم.


 

بين الحياة والموت

ضمن مبادرة "تنفس وارسم"، تشارك أيضا الفنانة ومنسقة المشروع نورا القصاصية بلوحة تشكيلية، تعكس واقع المرأة بين الحياة والموت في ظل حرب الإبادة بغزة.

في حديث مع صحيفة "فلسطين"، تسلط نورا الضوء على مضمون لوحتها: تعبر عن أن المرأة رغم الفقد والحصار وكل شيء نعيشه والمشاعر السوداوية مازالت صامدة وقوية وتقاوم في هذه الحياة.

وتتابع نورا: خلفية اللوحة باللون الأحمر ومحتواها باللون الرمادي لأن هذين اللونين سيطرا على حياتنا بآخر فترة، وما زلنا عالقين بين الحياة والموت ولا نعرف ما مصيرنا.

وعن مبادرة "تنفس وارسم"، توضح أنها تهدف إلى "العلاج أو الشفاء بالفن"، وتوفير مساحة آمنة للفتيات والأطفال ليعبروا عن أنفسهم ومشاعرهم في ظل كل الظروف من فقد وتجويع ودمار وخوف.

وتضيف: حاولنا إخراج مشاعرهم السلبية واستبدالها بمشاعر أفضل لإيماننا بأن الفن شفاء وطريقنا وأسلوبنا في المقاومة.

وتشمل المبادرة أيضا، توفير مساحة وأوراق وألوان للأطفال والفتيات اليافعات للتعبير عن أوضاعهم المعيشية، وما يتمنونه.

وسبقت المعرض، ورشة عمل استمرت سبعة أيام شاركت فيها فتيات حول كيفية تفريغ مشاعرهن، ثم وقع الاختيار على موضوع آثار الحرب على الأنثى، وكل منهن عبرت عن إحساسها وكيف أثرت عليها الحرب، وماذا تتمنى، كما تقول نورا.

وتوضح أن المبادرة خرجت إلى النور بتنسيق مع بلدية غزة وحديقة مركز إسعاد الطفولة عبر توفير مساحة لعقد الورشة والمعرض.

احتضان المبادرات

رغم قصف الاحتلال مركز إسعاد الطفولة في نوفمبر/تشرين الأول 2023، فإن المعرض نظم على أنقاضه، كتصميم على بقائه.

تقول مديرة المركز فريال حلس: إن هذا المركز يحتضن جميع المبادرات والرواق الفني للمبدعات والمهتمات، مضيفة أن المعرض هو مخرج ورشة عمل استمرت لأيام، عبرت خلالها المشاركات عن حرب الإبادة بلغة تشكيلية.

وتضيف لصحيفة "فلسطين": هذه رسالة للعالم الخارجي أننا شعب أعزل، من حقنا أن نعيش، ونقدم مواهبنا، مطالبة العالم بمساندة ومناصرة الشعب الفلسطيني وحقه في العيش بأمان على أرضه.

وتوضح أن المركز احتضن المبادرة، كونه "الصرح العظيم" الذي يمثل متنفسا للمشاركين للتعبير عما يجول في خاطرهم من مواهب، يعمل المركز على تبنيها ومساعدتهم عبر توفير مساحة مناسبة.

وتشدد مديرة المركز على أنه رغم الدمار الشامل الذي أصابه، فهو حي بالفعاليات والأنشطة التي يقيمها واحتضانه فرق المبادرين وتنفيذه أنشطته الأساسية وهي برامج الدعم النفسي والاجتماعي والرسم والأشغال اليدوية والتوعية الصحية والتوعية القانونية للسيدات والصحة والبيئة.

وتتمم حديثها: شعارنا هو شعار بلدية غزة: العنقاء، الذي رغم احتراقه ينهض من تحت الرماد ويكون أقوى.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرب إبادة جماعية على غزة، قتلا وتشريدا وتجويعا، أسفرت عن استشهاد أكثر من 60 ألف مواطن، بينهم ما يزيد عن 12 ألفا و500 شهيدة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.

ورغم أن الحرب مزقت الأحلام، فإن ريشة الفتيات في غزة ما زالت ترسم الحياة من بين الركام، وعلى أنقاض الطفولة، وجدن في الفن صوتا لا يُقصف.

 

 

 

 

اخبار ذات صلة