ادعت تقارير أمنية عبرية تجميد رسمي لخطة إقامة "المدينة الإنسانية" في رفح، والتي كانت مخصصة لاستيعاب مئات الآلاف من الفلسطينيين كمرحلة أولى من مشروع أكبر يهدف إلى تشجيع "الإخلاء الطوعي" من قطاع غزة، ضمن ما تصفه حكومة الاحتلال بمشاريع "الترتيب ما بعد الحرب".
وكان وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد كشف في إحاطة صحفية خلال الشهر الجاري عن تفاصيل هذه الخطة، موضحًا أنها تقوم على إنشاء منطقة مغلقة في جنوب قطاع غزة من الصفر، خلال هدنة محتملة مدتها 60 يوما، تستهدف في مرحلتها الأولى نقل نحو 600 ألف نازح فلسطيني إلى هذه المنطقة، وفق تصريحات كاتس، على أن يخضع سكان القطاع إلى عمليات تدقيق أمنية في "المدينة الإنسانية" بهدف التأكد من عدم انتمائهم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبمجرد دخولهم المنطقة، لن يُسمح لهم بالمغادرة.
وأكدت مصادر لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، أنه لا توجد نية حالية للمضي قدمًا بالخطة، كما لا توجد بدائل مطروحة على الطاولة، مشيرة إلى أن المستوى السياسي تخلى عن المشروع جزئيًا بسبب الرهانات على صفقة تبادل أسرى محتملة، قد تتضمن انسحابًا إسرائيليًا من بعض المحاور جنوب قطاع غزة، وعلى رأسها محور بيت حانون، ما أفقد المشروع "جدواه التكتيكية" في نظر صانعي القرار.
أحد المصادر الأمنية قال بوضوح: "لم تعد الحقيقة هي ما يحدد القرارات، بل الطريقة التي تُعرض بها على العالم". وأضاف أن إسرائيل ألحقت ضررًا كبيرًا بصورة نفسها عالميًا، نتيجة قرارات مرتجلة تُتخذ في اللحظة الأخيرة، بدلًا من التخطيط المسبق واستباق الأزمات.
أشار المصدر إلى أن وقف إدخال المساعدات إلى غزة منذ مارس الماضي لم يكن لأسباب أمنية أو لوجستية، بل لأسباب سياسية داخلية، في ظل تهديدات من وزراء متشددين بتفكيك الائتلاف الحكومي في حال السماح بدخول الإغاثة. وكان من الممكن – بحسبه – تفادي موجة الانتقادات الدولية لو جرى التنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتوزيع المساعدات المتكدسة في معبري كرم أبو سالم وزيكيم.
وفي وقت لاحق، عاد وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن موقفه المتشدد، بعد أن سبق وأطلق عبارته الشهيرة: "لن تدخل حتى حبة قمح واحدة إلى غزة، اقرأوا شفتي". ومع ذلك، وبعد تزايد الضغط الدولي والإنساني، سمح بدخول عشرات الشاحنات عبر معبر زيكيم إلى شمال القطاع، لكنها تعرّضت للنهب في منطقة العطاطرة، في مشهد يعكس غياب التخطيط والتنظيم. بحسب الصحيفة العبرية.
كما تحوّلت مراكز توزيع الغذاء الأربع التي أنشأتها إسرائيل داخل القطاع – والتي روّج لها سموتريتش على أنها "خطوة تاريخية" – إلى تجربة فاشلة، إذ وصفها مسؤولون عسكريون بأنها "رمز للفوضى" ونتيجة عقلية غربية متعالية لم تفهم الواقع الميداني في غزة.
في ظل تدهور الوضع الإنساني، أعلنت إسرائيل من جانب واحد ما سمّته "هدنة إنسانية" أمس الأحد، تهدف – بحسب الرواية الرسمية – إلى السماح للسكان بالتنقل لتلقي المساعدات، سواء جوًا أو برًا، لكن التقارير الفلسطينية أكدت وقوع عشرات الضحايا مع شاحنات شحيحة للمساعدات.
ورأى المصدر لـ "يديعوت أحرنوت"، أن هذه الخطوة "مجرد رسالة دعائية لإقناع الرأي العام العالمي بعدم وجود مجاعة في غزة، رغم أن الحقائق على الأرض تثبت عكس ذلك".
تأتي هذه التطورات بعد أيام من مقال نقدي حاد للضابط السابق في الاستخبارات العسكرية مايكل ميلشتاين، نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، واعتبر فيه أن التراجع عن الخطة الإنسانية، والمساعدات العشوائية، هما مظاهر لفشل ذريع في إستراتيجية الحكومة الإسرائيلية تجاه غزة.
وذهب ميلشتاين إلى وصف السياسات الحالية بـ"التخبط والهروب من التخطيط"، مؤكدًا أن إسرائيل تروّج لنجاحات وهمية بينما الواقع يتدهور، محذرًا من أن الدولة تسير نحو خيارات مدمّرة، لا تنتهي سوى بتوسيع الحرب أو التفريط بـ "الرهائن"، دون مكاسب حقيقية.

