المفاوض الاسرائيلي ومن خلفه الأمريكي يجلسون إلى طاولة المفاوضات على قاعدة "الاستسلام أو مزيد من القتل والتجويع"، لذلك هذه المفاوضات تتعثر وتصل إلى مراحل حرجة في كل مرة رغم كل الجهود التي تبذل، وفي النهاية يتم اتهام حركة حماس بتخريب المفاوضات وعدم ابداء مرونة كافية والتشدد في المطالب وعدم الاستجابة لنصائح الوسطاء ورفض العروض المقدمة، ليس هذا فحسب بل تحميلها كافة التداعيات التي يمكن أن تحدث بما فيها جرائم الابادة التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
هذه المعادلة ستبقى مستمرة لأن الاحتلال لا يؤمن بغير ذلك والولايات المتحدة الأمريكية تدعم الموقف الاسرائيلي، ولا يمكن أن تكون وسيط (نزيه أو محايد) في الوقت الذي تسعى فيه لإخضاع حماس بشتى الصور، ولا تتردد في تهديدها مباشرة في أكثر من محطة بما فيها الجولة الأخيرة، وقبل كل ذلك تورطها في توفير الدعم العسكري للاحتلال لمواصلة الجرائم في غزة، وهذا ما يبين أنه لا يمكن الوثوق بالدور الأمريكي بأي صورة سواء كان في إطار الوساطة أو حتى بصفته ضامن لتنفيذ الاتفاق.
إذ إن محاولة الوسطاء العرب إقناع حماس في أكثر من محطة لتقديم خطوات مختلفة تحت مسمى (حسن النية) تجاه الإدارة الأمريكية للحصول على مواقف أكثر ايجابية تجاه الشعب الفلسطيني، ولدفع هذه الادارة لاتخاذ مواقف متقدمة لانهاء حرب الابادة، ولعب دورا أكثر تأثيرا للضغط على الاحتلال، واستجابة الحركة لأكثر من خطوة في هذا السياق لم تثمر بصورة فعلية في دفع هذه الادارة في تغيير مواقفها فيما يتعلق بوقف حرب الابادة، بل على العكس تماما اعتبرتها هذه الادارة المجرمة بأن أي خطوة أو بادرة جاءت "خشية من التهديدات" التي يطلقها ترامب، والذي يسوق ذلك أمام جمهوره، ويواصل تقديم الأكاذيب ويتنكر لأي خطوة أو بادرة حسن نية.
استمرار هذا الواقع المؤلم يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني من دماءه، لكن ماهي الخيارات أمام المفاوض الفلسطيني؟ هل يمكنه التوقيع على ورقة الاستسلام للمصادقة على تأبيد الاحتلال والموافقة على كل الشروط الاسرائيلية التي ستفضي إلى (نتائج كارثية)؟ وفي المقدمة منها إنهاء المقاومة، وتسليم سلاحها، وأكثر من ذلك في إعطاء الضوء الأخضر لترحيل وتهجير أهلنا في غزة، والسماح بضم غزة لكيان الاحتلال؛ كي تعاد المستوطنات وينتهي أي حلم فلسطيني بتحرير الأرض والتخلص من هذا المحتل المجرم، وإلغاء تاريخ طويل ومشرف من النضال والتضحيات التي قدم خلالها شعبنا الفلسطيني أثمان باهظة في سبيل الأهداف الوطنية المقدسة.
إن المطلوب اليوم العمل على تغيير هذه المعادلة، ولكن ذلك يحدث من خلال (ضغط عربي وإسلامي) حقيقي يمكن أن يفضي لنتائج مهمة لصالح الشعب الفلسطيني، فهذه الامة تمتلك أوراق ضغط كثيرة يمكن أن تدفع الادارة الأمريكية لتغيير مواقفها وكذلك يمكن أن تؤثر على قرارات الاحتلال وتدفعه لوقف هذه الحرب المدمرة، هذا هو المسار الصحيح لمعالجة الوضع القائم وليس مطالبة المقاومة بمزيد من التنازلات وصولا للاستسلام في مواجهة العدوان المستمر، فهل هل يمكن أن يتغير الموقف العربي والاسلامي ليصنع التاريخ؟

